حول ما يتعلق بمبادرة رئيس الجمهورية الداعية إلي العمل والتبرع لصالح بناء اقتصاد البلد الذي تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة. يري من يقرأ في تاريخ الثورات أنه لن تتوج ثورة ما بالنجاح ما لم يصاحبها ثورة في التفكير. وحرية في التعبير. ورغبة في التغيير. ويترتب عليها تضحية بنفس راضية من كل فرد في المجتمع. وفي حالة الثورة المصرية هناك من ضحي بحياته وهو لا يزال في ربيع العمر من الشباب ومن ضحت بحياتها وهي لا تزال في عمر الزهور من الفتيات. فليس كثيرا علي من يقطفون ثمار هذه التضحية أن يبادروا بالتبرع بما هو أرخص بكثير من الحياة. فأية تبرعات مالية كانت أو عينية مهما بلغت لا تساوي شيئا بجانب دماء شباب وفتيات بذلوها رخيصة فداء الوطن. وكان من المفترض أن يخططوا للمستقبل مثل الملايين غيرهم. وإذا كان رئيس الجمهورية وبعض المسئولين قدموا مثالا عمليا في التضحية بجزء مما يمتلكون فالمنتظر من رجال الأعمال أن يقدموا تبرعات سخية تليق بما حققوه من مكاسب من هذا الشعب. لي أصدقاء أعزاء سوف يرمونني بما ليس فيَّ بسبب هذا المقال. لكني أذكرهم بما كتبت في جريدة عقيدتي في مطلع عام 2013 وفي جريدة الأهرام في نهاية عام 2012 عندما كان الدكتور مرسي رئيسا لأقترح علي الحكومة المصرية التنسيق مع الدول العربية الشقيقة لخصم يوم من مرتب كل مصري يعمل لديها ومن يرغب في التبرع بأكثر من يوم فله كل الشكر. كما لن تتوج ثورة بالنجاح ما لم يترتب عليها ثورة الذل والهوان. وثورة علي القيم الاجتماعية غير السوية. وثورة علي الفساد. ولعل الفساد هو المرض العضال الذي إذا بُرئ منه المجتمع أصبح من السهل عليه أن يبرأ من كل مرض سواه. ويتركز الفساد في مصر في المحليات بدءا من دواوين عموم المحافظات نزولا إلي رئاسات المدن والأحياء فالمجالس المحلية ومنها إلي المجالس القروية التي ينخر فيها الفساد كما ينخر السوس في الخشب والقصب . بعض المحافظات لا تزال تعاني ممن يطلق عليهم مستشارون وماهم بمستشارين إنما هم ركائز الفساد والوباء وأصل العلة والداء. عششوا كالدبابير في مفاصل المحليات. لديهم مواهب وقدرات عجيبة في استمالة المحافظ وتطويعه وتشكيله علي النحو الذي يريدون. ملوحين له بالمغانم التي يمكنه حصدها لو سلم لهم ¢ ذقنه ¢. ومما يساعدهم علي ذلك أن بعض المسئولين لديهم الاستعداد. المتضرر الأكبر من هذا الفساد الضارب أطنابه في المحليات يا سيادة الرئيس هم البسطاء من أبناء الشعب الذين منحوك أصواتهم آملين من الله ومنك أن تضرب بيد من حديد علي هذا المرض الذي أرهقهم ردحا طويلا من الزمن فلا تنساهم في زحمة مشاغلك السياسية وترميم صورة مصر الخارجية. فنجاح أي رئيس يبدأ من نجاحه في إصلاح حال مواطنيه ورفع المعاناة عنهم. وأستطيع التأكيد بأن رفع المعاناة عن كاهل الشعب لا يحتاج وصفة سحرية ولا اقتراض المليارات وإنما حسن التدبير والتمكين لذوي الخبرات والضمائر لتولي المسئوليات. لقد كَسَبتَ الدنيا يا سيادة الرئيس فكتب الله لك أن تتولي مقاليد الحكم في مصر وليس هناك ما يمنع أن تكسب الآخرة أيضا. فالفرصة أمامك وأنت لا تزال في بداية حكمك لتخطط وتضع الاستراتيجيات لتحويل مسار الحياة في مصر من دولة فقيرة إلي دولة غنية. ومن دولة مديونة إلي دولة دائنة. ومن دولة مستهلكة إلي دولة منتجة. ومن دولة مستوردة إلي دولة مصدرة. وفي العموم من دولة نامية إلي دولة عظمي. قال الشاعر أحمد حسن المعلم : هَلْ مِن جَديدي يُرَجَّي أمْ هلْ نُجَابُ بِكَلاَّ؟ إنْ لمْ أَرَ اليومَ شَيئاً فَإنَّني لَنْ أَمَلاَّ دوماً أُعَلِّلُ نَفسِي وَبِالرَّجَا أتَحلَّي حتَّي وإِنْ حَلَّ يَوماً خَطْبى بِنَا أوْ أَظَلاَّ فَسَوْفَ يَأتِي جَوابِي لَعَلَّ خَيراً لَعَلاَّ وَالفَتحُ آتي قَرِيباً أَعْلامُهُ تَتَجَلَّي لَكِنَّ لِلفَتحِ شَرطاً وَمَوعِداً وَمَحَلاَّ