معجزة الإسراء والمعراج بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تعد حلقة من حلقات سلسلة التكريم الإلهي لخير الخلق وحبيب الحق صلي الله عليه وآله وسلم. واليلة التي حدثت فيها هذه المعجزة -ولا يهمنا تحديدها- هي أعظم ليلة في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما ناله فيها من تجليات ربانية وفتوحات إلهية وعطايا ومنح ومشاهدات لم يتفضل بها ربنا علي أحد غير حضرة الهادي البشير صلي الله عليه وآله وسلم. فكان هو الإنسان الوحيد الذي كشف الله عز وجل له عالم الغيب كما كشف له عالم الشهادة قال تعالي: "سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" "الإسراء 1" وقال تعالي "لقد رأي من آيات ربه الكبري" "النجم 18" وفي الاسراء والمعراج علوم وأسرار ودقائق ودروس وعبر يقول ا لاستاذ أبو الحسن الندوي: لم يكن الإسراء مجرد حادث فردي بسيط رأي فيه رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الآيات الكبري. وتجلي له ملكوت السموات والأرض مشاهدة وعياناً -بل زيادة إلي ذلك- اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية علي معان دقيقة كثيرة. وشارات حكية بعيدة المدي: فقد ضمت قصة الإسراء وأعلنت السورتان الكريمتان اللتان نزلتا في شأنه تسميان "الإسراء" وسورة "النجم" ان محمد- صلي الله عليه وسلم- هو نبي القبلتين. وإمام المشرقين والمغربين ووارث الأنبياء قبله. وإمام الأجيال بعده. فقد التقت في شخصه وفي إسرائه مكة بالقدس. والبيت الحرام بالمسجد الأقصي. وصلي بالأنبياء خلفه. فكان هذا إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه. وصلاحياتها لاختلاف المكان والزمان. وأفادت هذه السورة الكريمة تعيين شخصية النبي- صلي الله عليه وسلم- ووصف إمامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها وآمنت به. وبيان رسالتها ودورها الذي ستمثله في العالم ومن بين الشعوب والأمم. لقد رسم الإسراء والمعراج بكل مشاهده للأمة تاريخها ومستقبلها. بدأ بشق صدر النبي عليه وآله وسلم وفي هذا إشارة للأمة بنقاء الصدر وسلامته. ثم كانت النهاية في الحضرة الإلهية علي بساط الأنس فنال الحبيب القرب من حبيبه "وأن إلي ربك" "النجم 42" وفيها من الدروس والعبر تربية الأمة علي الصبر وتحمل المشاق فالمحن يخرج من أرحامها المنح. وبعد العسر اليسر. وبعد الشدة الفرج. وبعد الليل النهار فالمطلوب من الأئمة رجالها ونسائها. شبابها وشيوخها ان تتأسي بالحبيب صلي الله عليه وسلم في صبره وصموده أمام الشدائد وعدم يأسه من ان الفرج قريب فلم ينشغل بهمه الكبير طول حياته. بل كان شعاره لا كرب ولي رب. وكان شعاره همي ليس بكبير طالما ان لي ربا قديرا. ألا ما أعظمها من رحلة تحتاج للقراءة أكثر وأكثر لاستخلاص العبر والدروس التي لا يعقلها إلا العالمون.