مثلما تنتشر الأمراض الجسدية بين البشر. تنتشر الأمراض النفسية والاجتماعية وتنتاب الأفراد. فتؤذي الآخرين وتنتهك حياتهم. وتبتلع أموالهم. ضاربة بالمثل والأخلاق عرض البحر.. وإذا كان القرآن الكريم نص علي أن "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" مقدماً المال عن البنين في إشارة منه إلي أن النفس البشرية تعشق المال إلي حد الافساد أحيانا. وهذا ما أكده دوران الحياة وتناطح البشرية. وصدق الرجل الذي سمعته في الصغر يقول: المال هو أولادي مؤكداً أن المال سيحقق به كل ما يبتغيه أما أولاده فقد يتزوجون ويتلهون بزوجاتهن أو بأزواجهن. وتدفعهم الحياة بعجلتها وقد تطحنهم. ولذلك كان القرآن الكريم يمدح المنفقين في سبيل الله والمتصدقين بأموالهم وباذليها رحمة بالفقراء وحباً لهم.. قال تعالي: "إن الإنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جذوعا. وإذا مسه الخير منوعاً. إلا المصلين. الذين هم علي صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم" سورة المعارج آية 19 حتي .25 وفي المقابل ذم الممسكين حتي ولو كانوا يصلون ووصفهم بالمرائين قال تعالي: "فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. والذين هم يراءون. ويمنعون الماعون" سورة الماعون آية 4 حتي ..7 يقول استاذنا المستشار الدكتور عماد النجار هدد الله المصلين الذين هم عن غاية الصلاة ساهون. وإذا كانت الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإنهم يتوهمون انهم بصلاتهم تلك يمكن لهم أن يكونوا مرائين ويمتنعون عن معاونة من يحتاج المعاونة والحقيقة أنهم عن الغاية من الصلاة ساهون فويل لهم. وانطلاقا من أنه سبحانه وتعالي يعلم أن المال يسلب العقل. ويبعده عن الخير.. ركز علي تهذيب النفس الإنسانية بالحفاظ علي حقوق الصغار والضعفاء من البشر.. ووضع القواعد لإدارة أموالهم والحفاظ عليها وإن كان في تقسيم الميراث جعل القسمة للرجل مثل حظ الأنثيين إلا أنه حث علي صلة الرحم والمودة بين الاشقاء والأقارب بل نصح بأنه عند تقسيم الميراث يستحب أن يراعي نفوس الأقارب الحاضرين لحظة التقسيم فأوجب رضاءهم قال تعالي: "وإذا حضر القسمة أولوا القربي واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفاً" سورة النساء آية.8 ولكن ما نراه واقعا ومنتشراً في مجتمع يدين بالإسلام الذي يحث علي العدل ونحن أبعد ما نكون عنه. وينادي بالرحمة ونحن قساة القلوب. ويمدح الأمانة ونحن يخون بعضنا بعضا.. فكثيراً ما نري طمع الذكور في حق الإناث. والرغبة الملحة في السيطرة و"التكويش" علي ما تركه الوالدان لأولادهم. متعللين بأن الذكور عملوا مع والدهم وكافحوا في سبيل لقمة العيش. أو أن البنات سيعطن أموال الوالدين لغريب عنهم. وهو زوج الأخت أو أنهن لسن في حاجة إلي أموال. وقد يكون الذكور أكثر ثراء. وأشد قوة اقتصادية من الإناث. ولكنه الطمع والطمع وحده هو المحرك الاساسي علي الاستيلاء علي حقوق الأخريات. وويل للصغار إذا ما توفي عنهم والدهم دون سن البلوغ فيكون الوصي غولا يبلع الأخضر واليابس ويدمر الثروة ويتحايل بكل الطرق لضياع حق الصغير اليتيم غير منتبه إلي قول القرآن الكريم: "إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" سورة النساء آية.10 وللرغبة في الفوز بأموال الصغار يدور النزاع بين راغبي التعيين في مقام الوصي حتي يمكن أن يحقق الفائز أكبر نفع من وراء هذا الصغير. غير عابئ بأن ما يأخذه بغير حق إنما يكون ناراً وسعيراً في جوفه.. ذلك السلوك مرض اجتماعي خطير يصيب المجتمع ويدمر العلاقات الإنسانية بين البشر مما ينشر العداوة والبغضاء بين الناس بدلا من الود والرحمة والمحبة.. ويتحايل بعض الأفراد ليحقق أكبر قدر من النفع الشخصي علي حساب القاصر أو البنات الورثة.. مدعياً الرغبة في البيع بسعر يقبله دون السعر الحقيقي. أو فارضا عبئاً ثقيلا لصالح المستأجرين أو واضعي اليد علي العقارات يحمله كله علي شقيقاته البنات شركائه في تلك العقارات مستغلا ثقتهن فيه رغم ثرائه الفاحش وعدم حاجته إلي ما يجنيه من ورائهن ولكنه الطمع الذي أصاب الناس في مجتمع ينهار خلقياً وإنسانياً ودينياً. وصورة أخري من صور الاستغلال للضعيف وذي الحاجة وهي صورة بارزة في المجتمع وأسوأ ما تكون وهي استغلال القيم لمال المحجور عليه فالأخير شأنه شأن الصغير الذي لا حيلة له ولا قدرة علي إدارة أمواله ولاعجب - أيضا - أن من يقوم بالاستغلال يكون في العادة ذا قدرة مادية فائقة يمتلك عشرات الملايين التي ما تنفذ أبداً طوال حياته لو أكل نقوداً فقط.. فنجد القيَّم "يشفط" حق المحجور عليه بلا هوادة متخذاً من كافة وسائل النهب والسلب ما لا يخطر علي عقل الشيطان. متحايلا علي كل القواعد القانونية والإنسانية للانتفاع بما تحت يده من مال المحجور عليه ناسياً قول الحق "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها" سورة النساء آية 58 وقوله سبحانه "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" سورة الأنفال آية 27 وقول الرسول صلي الله عليه وسلم "أدّّ الأمانة إلي من ائتمنك ولا تخن من خانك".. ولكن العكس هو ما يحدث فلا يؤدي الأمانة ويخون من لا يخونه.. وقد يتعلل القيَّم بأن المحجور عليه لن ينتفع بماله لما هو عليه من مرض وإنما سوف يرثها آخرون قد يكون القيَّم أحدهم فيبيح لنفسه نهب أموال المحجور عليه وتبديدها بعيداً عن نظر وأيدي الجهات المسئولة والذين قد يستفيدون بمال المحجور بعد وفاته. أما آن للناس أن تنتبه إلي طريق الخير والصدق مع النفس.. لقد بح صوت خطباء المساجد ومذيعي القرآن الكريم في توضيح أهمية الأمانة وقبح الخيانة والكذب دون جدوي. كان الفن من الوسائل التي تناولت حقوق الصغار لدي الأوصياء لتوضيح صورة الوصي اللص لينفر منه المجتمع. وكان الفنان الموهوب أنور وجدي أسبق الفنانين في ذلك بإنتاج فيلم فيروز هانم الذي أخرج صورة الوصي النصاب في مصر ختمه بعرض جميل ممتع للوصي في أنحاء الكرة الأرضية ولكن هل هناك صدي لكل ذلك.. لا وألف لا وهل انتهي الطماع عن طمعه. ورجع لصوابه لا.. هل خشي اللص الوصي أو القيم المستغل. أو الذكر الذي أراد السيطرة علي حق اخته.. هل خشي الله وآب إلي الحق اتقاء ليوم تشخص فيه الأبصار.. لا وألف لا.. التقيت مستشاراً جليلا يعرف الحق ويسعي إليه. ويتوخي العدل في حياته. يرأس إحدي محاكم الجنايات يشكو من أحد الأقارب الذي استولي علي أموال أخته الشقيقة بصورة مستفزة وبأسلوب عنيف غير عابئ بالقانون أو بالقضايا التي أقامتها شقيقته متخذاً من أمواله التي تبلغ الملايين وحيل بعض المحامين أمام المحاكم للسيطرة علي أموال شقيقته سنداً له في ذلك بدعوي عدم حاجة أولادها إلي تلك الأموال التي هي حق لها من ميراث الوالدين يؤيده في ذلك أولاده الذين لا يقل طمعهم شدة وتغول جشعهم عن والدهم ولا يملك المستشار الجليل إلا أن يقول لله الأمر من قبل ومن بعد فأقول له ما ضاع حق وراءه مطالب.