إلي الذين لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل غيرهم كانت هذه الكلمات عبارة عن إهداء كتبه عميد الأدب العربي طه حسين في مقدمة إحدي طبعات روايته الأيام. استحضرتها وأنا أتابع الحملة الضارية من السخرية والتهكم علي اختراع جهاز قيل انه يعالج من الفيروسات التي تسبب مرض الإيدز وتلك التي تدمر الكبد. إنه لأمر محزن حقا أن يتحمل البحث العلمي في مصر أوزار السياسة. إذ أن سبب هذه الحملة يرجع إلي أن الجهة التي اخترعت أو تبنت هذا الجهاز تنتمي إلي القوات المسلحة. لذلك حشد المعارضون لعزل الرئيس محمد مرسي أنصارهم علي مواقع التواصل الاجتماعي للتقليل من شأن أي إنجاز للجيش. وحتي أكون منصفا لو أن مخترع هذا الجهاز ممن ينتمون إلي جماعة الإخوان لشن معارضوهم حملة شرسة تقوم علي السخرية والتهكم هي الأخري. تجرد المشاركون في هذه الحملة من الإنسانية والإحساس بآلام الآخرين. وأقصد آلام المصابين بهذه الأمراض الفتاكة. ففي ذروة الجدل الدائر حول هذا الاختراع جمعني لقاء بأحد أولئك المصابين بفيروس الكبد سي وكم كان سعيدا لأن بوادر الأمل في الشفاء قد لاحت في الأفق. وبعد أيام قابلته مرة أخري ففوجئت به قد زاد اعتلالا ويأسا فاستفسرت منه عن السبب فأجاب أنه تابع ما يكتبه أعداء النجاح علي تويتر والفيس من أن الجهاز مجرد وهم . لاشك بأن مثل هذا المريض الذي صادفته يوجد ملايين المرضي غيره يعلقون آمالا كبيرة علي الاختراعات الحديثة. وعلميا فإن وجود الأمل في الشفاء يرفع من مناعة الجسم ومقاومته للمرض. وهناك ما يسمي العلاج بالإيحاء وهو من العلاجات الناجحة ويقوم علي فكرة الإيحاء للمريض بأن شفاءه أمر مفروغ منه فيشفي بفضل الله . يا سادة يا كرام : الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي. فرفقا بالناس ولا تزيدوا من أوجاعهم وتضاعفوا من آلامهم بل ابعثوا الأمل في نفوسهم . أقول لكل من تهكم وسخر من هذا الاختراع تخيل لو أنك مريض بالفيروس اللعين ¢ سي ¢ وتشتاق لمجرد شربة ماء صغيرة ولكن لا تجرؤ علي ذلك إلا بإذن الطبيب. أو تهفو نفسك إلي أبسط الأطعمة ولا تجرؤ علي مجرد الاقتراب منها. وقتها تتذكر نعمة الله التي أنعم بها عليك لتأكل وتشرب ما تشتهي النفس. وتمشي وتجري كيفما تشاء. وتنام عندما يحلو لك النوم وتصحو عندما يحلو لك الصحو دون أية منغصات من ألم أو مرض أو متاعب صحية. فالمرض عفانا وعفاكم الله لا يدع الإنسان يتمتع بالطيبات من الرزق كالمأكل والملبس وكثرة المال والعيال . أما ذلكم الرجل الذي اجتهد واخترع الجهاز فنقول له لا تيأس فقد سبق لمحاكم التفتيش والكنيسة في روما أن أعدمت أمهر المخترعين والمكتشفين لمجرد الظن بأن الاختراع والبحث العلمي حرام!. لقد اجتهدت فإن كنت قد أخطأت فلك أجر وإن كنت قد أصبت فلك أجران وفي كل الأحوال يكفيك شرف المحاولة والإقدام . قال الإمام علي كرم الله وجهه : لاَ تَخْضَعَنَّ لِمَخْلَوقي عَلي طَمَعي فإنَّ ذلك وَهْنى منك في الدين واسترزق الله مما في خزانته فإنما الأمر بين الكاف والنون إنّ الذي أنت ترجوه وتأمله مِنَ البَرِيَّة مِسْكِيْنُ ابْنِ مِسْكِيْنِ ما أَحْسَنَ الدِّيْنَ والدُّنْيا إذا اجْتَمَعَا لا بَارَكَ اللِه في دُنْيا بِلا دِيْنِ لو كان باللُّبّ يَزْدادُ اللَّبِيْبُ غِنًي لَكانَ كُلُّ لَبيبي مِثْلَ قارُونِ