قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ألا يوشك رجلى شبعان متكئ علي أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله.. فما وجدنا فيه من حلال حلَّلْناه . وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه.. ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه" "رواه أبو داود والترمذي والنسائي" ** من هم المرتزقة الذين يتقنون فن الدعاية ويجادلون بغير علم ويروجون لفكر أسيادهم لخلع الزعامة عليهم وزرعهم في مواقع التأثير بديار الإسلام. ** القرآنيون الجدد الذين يفتحون باب الفتنة فيأخذون بالقرآن مؤقتا ويستبعدون السنة ثم يتدرجون إلي الطعن في القرآن نفسه بعد أن يفرغوا من الطعن في السنة. ** حقيقة التنوير الذي يدعون إليه هو ظلام الغرب وكفره وحقده علي الإسلام.. وهو انفلات العقيدة باسم تحرر الفكر.. وحرية الرأي.. ولا إكراه في الدين. من ذلك الغيب الذي يأذن الله لمن ارتضي من خلقه أن يطلع عليه .. ومن معجزات النبي صلي الله عليه وسلم الخاتم الذي كان فضل الله عليه عظيمًا .. ومما يحمل المسلم وغير المسلم أن يخر ساجدًا لله. موقنًا بصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.. هذا الحديث الذي يستشرف فيه النبي الأمين صلي الله عليه وسلم آفاق المستقبل كأنه يصف ما يراه في واقع الحياة مما سيحدث لأمته من فتن ومحن يصبح المرء فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع دينه بعَرَضي من الدنيا. ففي هذا الحديث تكاد الألفاظ النبوية تتطابق بحروفها مع ما نسمعه ونقرؤه اليوم علي ألسنة فريق من المضلّلين المخدوعين بكل ما يأتيهم من أعداء الإسلام في الداخل والخارج .. منهم من يؤمن به عن جهل. ويجادل فيه بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير .. ومنهم من لا يؤمن به ولكنه منتفع ومرتزق مما يقول إرضاء لأسياده الذين يتقنون فن الدعاية لأذيالهم حتي يجلسوهم علي عرش الزعامة الفكرية المؤثرة في العالم النامي كله وبالأخص في العالم الإسلامي المنكوب. إن في إنكار السنة النبوية ضياعًا حقيقيًا لمعالم الإسلام وقيمه وأحكامه وقواعده.. ومع هذا كله فهو لا يثير مشاعر السذج من المسلمين بما يضعه هؤلاء في أثناء عرضهم من الإشادة بالقرآن وبشخص الرسول صلي الله عليه وسلم وأخلاقه. ومن هنا تأتي الفتنة ويسمي بعضهم فريقه بأنهم قرآنيون. ثم يكون المدخل إلي الطعن في القرآن نفسه بعد أن يفرغوا من السنة بأنه نص أدبي يخضع للنقد كغيره من النصوص. وقد تجرأ فأفصح عن ذلك دعيّ من ادعياهم قريبًا.. ومع أن نصوص القرآن تحدد مهمة النبي صلي الله عليه وسلم بأنه يخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربه ويهديهم إلي صراط مستقيم .. نجد هؤلاء يسرقون هذا المسمي ويشيعون عن أنفسهم أنهم دعاة التنوير في المجتمع المسلم. والنور الذي يدعون إليه ما هو إلا ظلام الغرب وكفره وحقده علي الإسلام والمسلمين. إن ما نقرؤه الآن لهؤلاء في مختلف وسائل الإعلام لهو أكبر دليل عي صدق هذا الحديث دون أن نبحث في سنده ومتنه .. مع أنه صحيح السند والمتن.. ذلك أنه يصف منكري السنة بأوصاف نكاد نلمسها في حياة هؤلاء ومعيشتهم وسلوكياتهم .. فكل من تحدث في هذا المجال من أولئك الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها فأغرقتهم في دياجير الشره والشبع والجشع . وتسلط عليهم سعار المادة والشهرة. ومن حرصهم علي ما هم فيه من متع حرام إذا ما رأوا في سنة النبي صلي الله عليه وسلم ما يصدُّ نَهمَهُمْ. ويقف أمام مطامعهم.. نراهم يَهُبُّون متعاونين علي الإثم والعدوان. يجهدون أنفسهم في إنكار هذا النص أو في إنكار السنة كلها حتي يبرروا ما هم فيه من سفه وفساد. وليظهروا أمام المجتمع امسلم بأنهم حريصون علي كتاب الله. مقدسون لكل ما جاء فيه. رافضون ما عداه. وحتي لا يكون الكلام مطلق العنان نقدم الدليل والبرهان: حد الرجم: فإذا أغلقت السنة باب الفاحشة بتنفيذها حّدِّ الرجم من الزاني المحصن. وأجمع المسلمون علي أن هذا الحكم ماض إلي يوم القيامة . ورأي هؤلاء أن هذا مما تنافي مع حضارة الغرب التي تتيح للزوجين أن يرتكبا الفاحشة في غير بيت الزوجية دون عقاب .. إذا بهم يجحدون هذا الحكم مدعين أنه قد ثبت بالسنة فقط. وأن القرآن الكريم لم يرد فيه هذا الحكم.. وهنا يستبين جهلهم بكتاب الله . ونيتهم المبيتة في إشاعة الفاحشة .. فهذا الحكم الثابت بالسنة العملية قد ثبت في التوراة والقرآن علي سواء. وقد أراد اليهود أن يتحللوا منه أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم حين زني يهوديان وحكَّموا فيهما النبي صلي الله عليه وسلم وادعوا أن حكم الزنا في التوراة هو التحميم. وأنكروا الرجم تحريفًا في الوحي.. سَخرَ منهم القرآن الكريم. ووجه الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال في "سورة المائدة": "وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمّ يَتَوَلّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَآ أُوْلََئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ" "سورة: المائدة - الآية: 43" وإذن فهو حكم الله المطلق . لم يقيده بأنه خاص بهم مؤكدًا ذلك بوصف التوراة وما فيها من أحكام لم تحرف: "إِنّآ أَنزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدًي وَنُورى يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلّذِينَ هَادُواْ وَالرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً" "سورة: المائدة - الآية: 44". ثم يأتي الحكم الإلهي بالكفر علي كل من ينكر حكمًا ثبت الأمر به من الله كهذا الحكم فيقول: "وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" "سورة: المائدة - الآية: 44". وإذن فليست السنة في تنفيذها لهذا الحكم علي "ماعز" و"الغامدية" وغيرهما إلا بيانًا وتطبيقًا لما شرع الله في التوراة والقرآن. حد الردة:وإذا أراد هؤلاء المفسدون في الأرض أن يفتحوا المجال أمام المسلمين أن يخرجوا من دينهم بغير عقوبة.. نراهم يرددون شعارات : حرية العقيدة. وحرية الفكر. وحرية الكفر. ويرددون قوله تعالي:"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ" وقوله تعالي: "فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ" دون إدراك لسياق هاتين الآيتين . وينكرون حد الردة الذي عبر عنه المصطفي صلي الله عليه وسلم في حديثه المشهور: "من بدل دينه فاقتلوه". ويتجاهل هؤلاء أن القرآن الكريم قد صرح بهذا الحكم في سورة الأحزاب حيث وصف هؤلاء المنافقين بقوله تعالي: "مّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوَاْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً" "سورة: الأحزاب - الآية: 61". إن تفكيرهم إذن منحصر في شهواتهم وأهوائهم: ** شهوة الفرج بإنكار حد الرجم. ** وشهوة المال الذي يتدفق علي المسلم حين يتنكر لإسلامه. ** وشهوة النفوذ والشهوة حين يستضيف أهل الكفر من يدعو إلي ضلال في قومه. وقد رأينا كيف استقبل رؤساء الدول الغربية صاحب الآيات الشيطانية وغيره.. هم إذن. كما وصفهم هذا الحديث: همهم إشباع البطن. ووفرة أسباب الراحة حيث لهم أرائك يتكئون عليها. ثم إن مقالتهم منحصرة أيضًا فيما عبر عنه المصطفي صليّ الله عليه وسلم : "بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حلَّلْناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه". والتعبير النبوي هنا في غاية الإعجاز فما يجدونه هم في الكتاب هو المعتبر.. أما ما يجده غيرهم فلا عبرة به ولو كان في كتاب الله.. إنهم ينتقون من كلام الله ما يظنون أنه يوافق أفكارهم. ويجعلون ذلك القرآن عضين كما وصفهم القرآن الكريم في سورة الحجر. ولما كانت مهمة النبي صلي الله عليه وسلم الأولي بيان ما في القرآن بمنطوق كلام رب العالمين: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ" "سورة: النحل - الآية: 44" فإن السنة لا غني عنها في فهم القرآن الكريم. وبدونها يستغلق الفهم لأحكام الله . وبدونها لا نعرف كيف نعبد الله . ولا كيف نتعامل مع الناس.. وإذا حفظ الله كتابه من التحريف والتبديل فإن حفظ السنة المبينة له مما وعد الله أيضًا بحفظه ضرورة أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولا يعقل أن يحفظ الله المبيّن ولا يحفظ ما يبينه.. ومن هنا كان تعبير الحديث: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه". إنه البيان لكيفية التنفيذ والتفسير الصحيح لكتاب الله .. ولهذا كان نطق رسول الله صلّ الله عليه وسلم معصومًا من الخطأ كما قال القرآن: قال تعالي: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَيَ*إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيى يُوحَيَ" "سورة: النجم - الآية:3.4". إننا نوجه النصيحة والتحذير معًا لمن خدع بكلام معسول أن يفئ إلي حمي الإسلام . وإلي سُّنة سيد الأنام صلّي الله عليه وسلم. فالذكري تنفع المؤمنين.. والوعيد الصعب لمن أعرض عن ذكر الله . ولمن أهمل سُّنة رسول الله صلّي الله عليه وسلم. قال تعالي: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَيَ" "سورة: طه - الآية: 124" وقال عن سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم: "فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةى أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابى أَلِيمى" "سورة: النور - الآية: 63". وسينتقم الله من كل مجرم تكبر واستكبر أن يؤوب إلي رحاب الحق.. وصدق الله العظيم: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن ذُكّرَ بِآيَاتِ رَبّهِ ثُمّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ" "سورة: السجدة - الآية: 22".