عندما جاء عمرو بن العاص لفتح مصر كان حاكم مصر هو كيرس أو المقوقس كما عرف في مصر. وكان المقوقس من رجال الدين المسيحي وقد فوضه الإمبراطور البيزنطي في السلطة الدينية والدنيوية لمصر وبذلك جمع المقوقس السلطتين الدينية والدنيوية وتحالف مع الحامية العسكرية الموجودة في مصر ومع الشرطة للسيطرة علي الأمور في مصر خاصة لأن المصريين قد تبنوا مذهباً دينياً مخالفاً لمذهب الأمبراطورية البيزنطية. وقد أساء المقوقس استخدام سلطته وتحالف مع العسكر وفرض الضرائب علي كاهل المصريين. وعاني المصريون من كثرة الضرائب المفروضة عليهم ومن نهب خيراتهم وكذلك من قسوة العسكر. وقد عاني ايضا رجال الدين المسيحي من الاضطهاد الديني في تلك الفترة وكان ذلك الاضطهاد متمثلاً في أشهر رجال الدين المصريين وهو بنيامين وكان بنيامين من الرهبان الذين عانوا من اضطهاد المقوقس واضطر للهروب إلي الصحراء. ولذلك رحب المصريون بالفاتحين الجدد لما سمعوه عنهم من حسن معاملة وكرم أخلاق وسمعة طيبة سبقتهم من كل البلاد التي فتحوها. وعند دخول الفاتح ابن العاص مصر أحسن السيرة في أهلها ورفع عن كاهلهم الضرائب وأكرم رجال الدين المسيحيين ولذلك صارع رجال الحل والعقد في مصر إلي الترحيب به. وعاد بنيامين من الصحراء ليلاقي كرم وحفاوة من ابن العاص. ولم يجبر عمرو بن العاص أحداً من المصريين علي الدخول في الإسلام. بل احترم كل من بقي علي دينه وأحسن معاملته. ودخل كل من دخل الإسلام من أهل مصر طواعية. وكذلك حافظ عمرو بن العاص علي الآثار المصرية القديمة ولم يهدمها لأنه كان يعرف قيمتها ولكون المصريين أهل ديانة ولم يكونوا من عبدة الأوثان. ووضع القائد عمرو بن العاص خطة لتطوير الأوضاع الاقتصادية لمصر وخاصة بعد ما عانته من تدهور في عهد البيزنطيين. فقد وضع ابن العاص خطة متكاملة لتحسين الأوضاع في مصر وشق الترع وإقامة سدود الري وحافظ علي الممتلكات الخاصة وآمن الناس علي أموالهم وأرواحهم وحافظ علي النظام والأمن العام. وحافظ الإسلام علي حرية المعتقدات وحرية العقيدة ورفع الظلم والجور.. فالإسلام في حقيقة أمره دين السماحة والوسطية. وليس دين البذاءة وسفك الدماء. ولو قمنا بمقارنة صنيع القائد الفاتح بما يحدث في مصر الآن لظهر تباين واضح في المواقف. فلو نظرنا للجماعات الإسلامية الجهادية التي تقوم بالتفجير والقتل والعنف مدعية الدفاع عن الإسلام لظهر مدي بعدهم عن الإسلام لأن الفاتحين وناشري الإسلام أنفسهم لم يتبعوا العنف والقتل لنشره وما تفعله هذه الجماعات ما هو في حقيقة الأمر إلا سعي وراء مصالح وأهداف خاصة بهم. وبالتدقيق في موقف فريق آخر من الموجودين علي الساحة في مصر وهم السلطة السياسية الحاكمة لنجد أنهم تحالفوا مع بعض الفئات والفصائل الموجودة علي الساحة لإحكام قبضتهم علي السلطة وحسب. مهما كلفهم ذلك من دماء ومهما بذلوا من كبت للحريات وممارسة سياسات قمعية. ودون أن يكون لهم خطة اقتصادية أو إصلاحية واضحة. وهذا يظهر بشكل جدي عند النظر لمعاونيهم ورجال حكومتهم. وهذا عكس ما فعله القائد الفاتح عمرو بن العاص الذي استعان بكل ذي خبرة لإخراج مصر من كبوتها الاقتصادية عن طريق خطة تنمية شاملة. أما عن الطرف الآخر وهم جماعة الإخوان المسلمين فهم أعلنوا أنهم سلكوا طريق الدفاع عن الدين وتبني مشروع إسلامي دون أن يكون لديهم مشروع في الأساس. فالمسلمون المصلحون يستوعبون كل الأطراف المحيطة بهم لمحاولة الإصلاح وكذلك يقوم الإسلام علي مبدأ الشوري وليس مبدأ الانغلاق علي جماعة وأشخاص بعينهم. وهم ايضا لم يكن لديهم مشروع إصلاحي تنموي واضح. وكل ما كان لديهم هو مشروع إحلال واستبدال فبدلاً من البدء فالإصلاح بدءوا هم باستبدال وإحلال رجالهم في المناصب دون النظر للكفاءات. وهذا عكس سلوك الإصلاح الإسلامي فالمسلمون عند تبنيهم لمشروع إصلاحي كانوا يستعينون بذوي الخبرات حتي ولو لم يكونوا من المسلمين. وهناك فريق آخر يتعاون مع الفريق المتسلط وهم فريق ذوي المصالح والنفعيين. وبذلك يظهر لنا جلياً أن جميع الفصائل المتناحرة الموجودة علي الساحة المصرية هي فصائل متصارعة علي السلطة وليست فصائل تبحث عن مصلحة هذا الشعب. وبذلك فقد أساء الجميع السيرة في هذا البلد. حديثي موجه لكل من يتعامل بسلوك وخلق غير خلق المسلم فالمسلم ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذئ. وكذلك ليس بسفاك دماء. اتقوا الله يا أهل الحل والعقد في مصر وتعاملوا مع وطنكم وأهله بخلق الإسلام.. ليس من الإسلام التناحر والتصارع من أجل منصب أو جاه أو مال. ولن يستطيع أي طامع في سلطة أن يخدع هذا الشعب لفترة طويلة لأن المصريين منذ القدم شعب يعرف كيفية الدفاع عن حقه حتي ولو بعد حين ولن يخسر إلا من راهن علي غباء هذا الشعب. إلي كل المتصارعين أتحدث لعل لكم في عمرو بن العاص عظة وعبرة.