كان دأب الرسول - صلي الله عليه وسلم - في دعوته وتربيته وتوجيهاته للصحابة. العناية بالعقائد والقيم وتحقيق الأسوة بشخصه. أي العناية بالإنسان كنقطة البدء. وقد جاء الوحي الإلهي بالتعريف بالإنسان ومكوناته المزدوجة بين الجسد والروح ودوره ومصيره. وكانت حضارة الإسلام في كل أطوارها معبرة عن هذا التوازن الدقيق. ولعل دارس أثر العبادات في النفس أيضا يقف علي بعض الحقائق في هذا الصدد مما يجعلنا نقدر هذه المزية ونحرص علي اتباع سنن الله تعالي في خلق الإنسان. كما أن الموازنة بين التصور الإسلامي للإنسان وتصورات البشر الفلسفية سترينا أنه لا علاج إلا باتباع المنهج الإلهي. فإن الله تعالي هو الخالق العظيم. وهو الشارع الحكيم. فله الخلق والأمر نحن إذن في غني عن الهزات التي حدثت لحضارة الغرب بسبب افتقادها للوحي الإلهي المعصوم. وإلا فلنلق نظرة عابرة عما حدث هناك بسبب التصورات البشرية وما يحتاجه من نظريات سياسية واجتماعية أخذت تتبدل. فأخذوا يغيرون في الأنظمة كلما ثبت إخفاقها يغير المرء ثيابه كلما عنَّ له ذلك!! وتكفينا مراجعة بعض النظريات السياسية والاجتماعية لنقف علي العلاقة بينها وبين تصور أصحابها للإنسان وتعريفهم "الفلسفي النظري" له حسب اعتقادهم وهي مجرد فروض لا تصل إلي حد اليقين والجزم. ومع هذا فقد كانت فعالة في صياغة الحضارة المعاصرة : إن النظريات عن طبيعة الإنسان كانت تؤلف أساس كل فلسفة ونظام سياسي ونظرية اجتماعية. فقد كان الاعتقاد بفسوق الإنسان عنصرا أساسيا في فكر القرون الوسطي. واعتبرت الحركة التنويرية الإنسان كائنا عقلانيا في جوهره. ويخضع معتقداته لتمحيص انتقادي. وفي عصر الدعوة إلي عدم التدخل الحكومي في الشئون الاقتصادية. رأي الداروينيون الاجتماعيون الإنسان منغمسًا في الصراع علي البقاء. وهو رأي أحياه من جديد الآن علماء السلوك الحيواني. علي أنه فلسفة مجتمعنا الاكتسابي والتنافسي جدًا. وفي السنوات الخمسين التي سبقت صعود هتلر. روجت مجموعة من الفلاسفة الاجتماعيين في ألمانيا نظريات "الدم والتراب. والعودة إلي الغريزة ورفض العقل. والنظر إلي الإنسان وحشًا مفترسًا في جوهره. وإلي الحرب كأعلي شكل من أشكال حياته". ويقول جون لويس - معلقًا علي هذه الآراء -: "وهذه الأفكار ليست أبدًا محض تكهنات مفكرين علي جانب من الأصالة: إنها لعبت دورًا في صياغة الحضارة" من طبيعة الأمم والشعوب - كالأفراد تماما - المحافظة علي ذاتيتها وأصالتها. فمثلا - هناك في فرنسا - ينادي رئيس أحد الأحزاب المحافظة بالتخلص من المسلمين لأنه يخشي منهم علي الطابع المسيحي لفرنسا! وتتضافر دول أوروبا فيما بينها لكي تحافظ علي ثقافتها الأوروبية الخاصة ولتحمي أهلها من الثقافة الأمريكية. وتتخذ إسرائيل من التوراة والتلمود والبروتوكولات وثائق ومعالم طريق نحو أهدافها. وتحيي لغتها العبرية الميتة من رقادها لتجعلها وسيلة لحفظ كيانها. من الواجب إذن علي أمتنا - بل واجب واجباتها لأنها أمة الرسالة - أن تسترد وعيها بذاتها وتؤدي حق الله - تعالي - عليها لتستأنف دورها في قيادة البشرية كخير أمة أخرجت للناس.