باستقراء سيرة الرسول في المعارك الحربية المختلفة سواء مافعله بنفسه. أو ما كان يوصي به صحابته جميعاً في عملياتهم الحربية تتضح لنا ملامح منهج الأخلاق الرائع الذي طبقه عملياً في حياته. وأوصاهم به قائلاً:¢ اغزوا باسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا. ولا تغدروا. ولا تمثلوا. ولا تقتلوا وليداً. أو امرأة. ولا كبيراًً فانياً. ولا منعزلاً بصومعة¢. صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير: بابب تأمير الإمام الأمراء في البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها. ولعل من أبرز أخلاق النبي في حروبه خلق الرحمة. فلقد كان رسول الله رحيماًً بالطفل الصغير. والشيخ الكبير. والنساء والمرضي والعواجز. حتي في غياب الرقابة البشرية عليه. ولم يكن يكتفي بذلك بل كان يأمر أوامر مباشرة بتجنب قتل الولدان:" ابن كثير: البدايية والنهاية1/337". يقول بريدة: كان رسول الله إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوي الله ومن معه من المسلمين خيراً. وكان مما يقوله:¢ ....ولا تقتلوا وليداً....¢. "مسلم: كتاب الجهاد والسير" وكان إذا أخطأ المسلمون في حروبهم مع عدوهم. وقتلوا أطفالاً صغاراً. كان ذلك يغضب رسول الله أشد الغضب. ومثال ذلك مارواه الأسود بن سريع أن رسول الله بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين. فافضي بهم القتل إلي الذرية فلما قال رسول الله:¢ ماحملكم علي قثل الذرية؟¢ قالوا: يارسول الله. إنما كانوا أولاد المشركين. قال:¢أوهل خياركم إلا أولاد المشركين؟! والذي نفس محمد بيده مامن نسمة تولد إلا علي الفطرة حتي يعرب عنها لسانها¢. أحمد"15626". والحاكم "2566". وكان رسول الله ينهي عن قتل النساء فعن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله في غزوة. فرأي الناس مجتمعين علي شئ. فبعث رجلاًً فقال:¢ انظر: علام اجتمع هؤلاء؟¢ فجاء فقال علي أمرأة قتيل فقال :¢ ما كا نت هذه لتقاتل¢قال وعلي المقدمة خالد بن الوليد. فبعث رجلاً فقال :¢ قل لخالد: لا يقتلن امرأة ولا عسيفا¢. أبو داود: كتاب الجهاد. باب في قتل النساء"2669" كما كان النبي حريصاً علي أن يغرس في نفوس الصحابة خلق الوفاء في الحرب. ووصبت أهمية الأمر عند رسول الله أن يتبرأ من الغادرين ولو كانوا مسلمين. ولو كان المغدور به كافراً. فقد قال النبي:¢ من أمن رجلاً علي دمه فقتله. فأنا برئ من القاتل. وإن كان المقتول كافراً ¢. البخاري: التاريخ الكبير3/322. واللفظ له. وكان رسول الله حريصاًً كل الحرص علي حقن الدماء. فيقبل إسلام الشخص مهما كان تاريخه العدائي. ومن أمثلة ذلك مارأيناه منه عندما أنكر علي أسامة بن زيد رضي الله عنهما قتله لمشرك محاربب بعذ أن أعلن إسلامه. مع أن كل الظروف كانت تشير إلي أن المشرك لم يعلن إسلامه إلا تقية! هكذا في بساطة من الأمر ويسر. لم ينتقم النبي. فيسفك الدماء. أو ينتهك الأعراض. أو ينهب الدور. بل العفو هو شيمة رسول الله في كل وقت وفي مواجهة كل عدو. ثم إن رسول الله لم يكن يعفو عن الأفراد الذين لا يقدمون كثيراً ولا يؤخرون في سير الأحداث فقط بل كان يعفو عن شعوب كاملة. ومن أشهرمواقفه في هذا الصدد عفوه عن أهل مكة من أخلاق رسول الله في الحروب حيث قال رسول الله لهم:¢ يا معشر قريش. إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم و آدم من تراب¢. ثم تلا هذه الآية:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات. ثم قال رسول الله:¢ أخ كريم وابن أخ كريم. قال:¢ اذهبوا فأنتم الطلقاء¢. "ابن هشام: السيرة النبوية 2/411" إن الإسلام لا يجعل الحرب إلا آخر القرارات. ونهاية الحلول. ولا نسعي إليها إلا لرد حق. أو دفع شر.أو تأمين حياة. فإذا كانت الحرب ضرورية لا مهرب منها. فإن الإسلام سعي إلي ضبط حروب المسلمين بضوابط أخلاقية تحميها من التدني إلي رذائل الأفعال. ومنكرات الأمور. وهذا الامر حث عليه الإسلام كثيراً في كتاب الله الكريم. وفي سنة وسيرة الرسول العظيم محمد صلي الله عليه وسلم فإذا كانت هذه أخلاق المسلمين مع أعدائهم في الحروب فما بالنا في السلم والامن فهل نحن رحماء بيننا؟! هل نحن من قال الله فيهم "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاًًًًًًً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيط بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً" الفتح "29".