التمثيل في اللغة يطلق علي التنكيل. وهو مصدر مثَّل بالتشديد للمبالغة. وأصله: مثل بالتخفيف. يقال: مثل بالقتيل. إذ جدع أنفه. أو ثمل عينه. وغير ذلك من آثار التنكيل. والتمثيل في اصطلاح الفقهاء يطلق علي قطع الأطراف. كالأنف والأذنين. بقصد التشويه لخلق الله. عبثاً أي دون حق القصاص. والتمثيل أخص من التعذيب. لأن التمثيل لا يكون إلا بالتعذيب المفضي إلي تشويه الخلقة. ولا خلاف بين الفقهاء في تحرم التمثيل أو التنكيل بالإنسان حياً أو ميتاً. مسلماً أو كافراً. لغير حاجة. وممن حكي هذا الإجماع: ابن عبدالبر وغيره. لما أخرجه مسلم من حديث بريده. أن النبي صلي الله عليه وسلم. كان إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوي الله. ومن معه من المسلمين خيراً. ثم قال: "اغزوا ولا تغلوا. ولا تغدروا. ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً". وهكذا يؤسس النبي صلي الله عليه وسلم بهذا الحديث حق تكريم الإنسان. ولو كان من الأعداء المحاربين. يقول ابن عباس: فلو تمكن المسلم من كافر. حال قيام الحرب. ليس له أن يمثل به. بل يقتله. أي بأحسن ما يكون القتل. وهو ما يسرع في إزهاق الروح. وذهب بعض الحنفية إلي مشروعية التمثيل في قتال الكفار المحاربين إذا ثبت أنه أبلغ في كبتهم وردعهم. وذهب المتقدمون من الحنفية وبعض المالكية منهم أشهب وابن القاسم وابن الماجشون. وبعض الشافعية في وجه إلي مشروعية التمثيل بقطاع الطريق ولو كانوا مسلمين إن قتلوا وأخذوا المال. قطعاً لدابرهم. واستدلوا علي ذلك من الكتاب والسنة: "1" أما دليلهم من الكتاب فمنه قوله تعالي: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" "المائدة : 33". قالوا: والقتل بالصلب نوع من المثلة. "2" وأما دليلهم من السنة فحديث العرينيين في الصحيحين. عن أنس بن مالك. أن نفراً من عكل أو عرينة ثمانية. قدموا علي رسول الله. صلي الله عليه وسلم. فاستوخموا المدينة. وسقمت أجسامهم. فشكوا إلي رسول الله. صلي الله عليه وسلم . ذلك. فقال: "ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها". فقالوا: بلي. فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا. فقتلوا الراعي وطردوا الإبل. فبلغ ذلك رسول الله. صلي الله عليه وسلم. فبعث في آثارهم فأدركوا. فجئ بهم. فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم. وسمرت أعينهم. ثم نبذوا في الشمس حتي ماتوا. وفي لفظ: "وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون". لكن ذهب جمهور الفقهاء إلي القول بنسخ المثلة. وأنها لم تقع في عهد النبي. صلي الله عليه وسلم. إلا علي هؤلاء العرينيين. ثم حرم الله تعالي المثلة. فنهي النبي صلي الله عليه وسلم عنها. وأما عقوبة الصلب لقاطع الطريق فليست بمثله أصلاً.