ونحن نحتفل بذكري ميلاد نبيين عظيمين هما عيسي بن مريم ومحمد بن عبدالله عليهما الصلاة والسلام في وقت واحد.. ما أجمل أن ندعو أنفسنا جميعاً إلي رفع شعار.. تعالوا نتعلم كيف نتسامح؟!!! ولعله من محاسن القدر وليس من سخرياته أن تتزامن المناسبتان في أسبوع واحد.. في تلك الظروف التي نعيشها الآن في مصر والمنطقة العربية عموماً.. بعد أن وصل الخلاف والتناحر علي الساحة أقصي مدي.. وأصبحت إراقة الدماء للأبرياء يومياً هي القاعدة.. في استباحة للدماء لم تعرف حدوداً لا شرعية ولا إنسانية سواء من دين أو وطنية بطريقة غير مسبوقة.. بعد أن توارت كل أصوات الحكمة والعقل وتصدرت المصالح الحزبية الضيقة وسيطرت الرؤي الجامحة.. وغابت مصلحة الوطن.. وأصبح الجنون هو الأقرب للتحكم في التصرفات بعد أن بلغ العناد أقصي مدي.. ويرفض المعاندون كبح جماح أي من شهواتهم وطموحاتهم اللعينة.. التي تروي يومياً بدماء الشهداء من البسطاء والكادحين والمغلوب علي أمرهم.. وتهدر نفقات باهظة من المال العام في طرق ما كان أغنانا عنها.. وكنا في أمس الحاجة إلي تلك الأموال لنقف علي أقدامنا وهي أموال قدرتها بعض الجهات الأجنبية بما يقرب من تريليون جنيه والربع ضاعت في مصادمات ومواجهات السنوات الأخيرة وهي مبالغ كانت كفيلة لو وجهت ووظفت في الطريق الصحيح لكان لمصر شأنها الاقتصادي الآن.. وما يتبعه من قوة سياسية وعلمية وغيرها تفرض احترامها وتعلي من صوتها ومكانتها بين الأمم.. ولما ضاعت هيبتها علي موائد اللئام من الأغنياء. مناسبة ذكري ميلاد محمد والمسيح معا.. الآن اشارة وعلامة.. بل ونداء علي ضرورة أن نكون معا علي الطريق.. رسالة عاجلة لضرورة أن نتخلي وفوراً عن ثقافة الكراهية وبث سموم الحقد ووقف كل دعوات الانقسام والتشرذم السائدة تحت دعاوي ما أنزل الله بها من سلطان.. حتي وإن كان لها شرعية صحيحة أو فاسدة أو باطلة.. والاتجاه فوراً إلي الطريق الواحد والذي لا مفر ولا مهرب منه.. وهو أن نكون معا يداً واحدة. توافق الذكري للرسولين الكريمين.. دعوة صريحة للتسامح وضرورة تعلم التسامح الذي فقدناه ويكاد يصبح غريباً بيننا.. التسامح الذي ضيعناه بايدينا وعنادنا وعقولنا المتحجرة والاستجابة لبقايا جاهلية حمقاء وتعصب أعمي يحاول أن يعشش في النفوس ويؤرق القلوب. إنها دعوة لاستعادة وإعادة شحن رصيد التسامح بين أبناء الوطن الواحد وحتي بين اتباع الملة الواحدة والمذهب الواحد في كل مكان. رصيد التسامح المصري لا يمكن أن ينفد.. إلا أنه يمكن وصفه بانه رصيد يراد تعطيله والقضاء عليه.. وبالطبع بفعل فاعل سواء من الداخل أو الخارج.. مع انه رصيد كان ومازال يتجدد دائماً مع لحظات وفترات الإيمان الصادق والوطنية الخالصة.. ويتبدد مع لحظات التدين المغشوش والتعصب المذهبي وضيق الافق الفكري.. وغياب الوطنية الحقيقية ومع ارتفاع نغمات التعصب الأعمي والادعاءات الكاذبة حول الأصول والجذور والهوية والغرق في دوامات وهمية وقراءات مريضة ومشوهة إن لم تكن عبثية وترديد مقولات من اشباه.. من الضيف ومن المضيف..والسقوط في شرك الاستعلاء العنصري.. والوقوع في فخ ومحاولات الاقصاء والابعاد والنفي والطرد أو حتي الانزواء والانكفاء علي الذات الطائفية.. دينياً واجتماعياً والعيش في جلاليب الاضطهاد والمظلومية.. واستجلاب واستدرار عطف من هنا أو هناك. في خضم هذا البحر المتلاطم.. والتصارع غير المحمود نسينا قواعد وأصول التسامح الحقيقي الذي كان من أوائل ومن أهم دروس النبوة الخالد.. أول دروس وتعاليم السماء لعالم البشر.. تسامح شامل من أجل الحياة الآمنة والسلام العام الشخصي والاجتماعي.. تسامح يفرض ويؤسس للمحبة الدائمة والوفاق والحياة الكريمة.. تسامح مع كل المخالف لك في الفكر والدين والعقيدة.. فما بالك بالخلاف في توافه الأمور وكل شيء بعيد عن أمور المقدسات وما تفرضه من حساسيات. ألم يقل السيد المسيح عليه السلام في تعاليمه: "من ضربك علي خدك فأعرض له الآخر" "لوقا: 6: 29". وأيضا: أما أنا فأقول لكم احبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "مت: 5: 44". وقال أيضا: "احتملوا بعضكم بعضاً وليسامح بعضكم بعضاً. إذا كانت لأحد شكوي من الآخر فكما سامحكم الرب سامحوا أنتم أيضا". ألم يقل الرسول صلي الله عليه وسلم لمخالفيه في العقيدة والرافضين لدين الله والمتربصين به ليقتلوه.. في بداية الدعوة.. اذهبوا فأنتم الطلقاء. وفي حادثة الطائف المعروفة حين بلغ أذي قريش بالرسول صلي الله عليه وسلم مبلغه وكما جاء في صحيحي البخاري ومسلم.. قال الرسول صلي الله عليه وسلم: "فناداني ملك الجبال. فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت. إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين "جبلين في مكة" فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لا بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً". ألم يأمر الله تعالي كما جاء في القرآن الكريم.. "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".. بل إننا إذا أخذنا كلمة "الإسلام" بمعناها القرآني. نجدها لا تدع مجالاً لسؤال عن العلاقة بين الإسلام وبين سائر الأديان السماوية فالإسلام في لغة القرآن ليس اسما لدين خاص. وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء. وللشيخ محمد الغزالي رحمه الله. جملة بديعة في إطار دراساته القيمة عن التسامح والتعصب بين المسيحية والإسلام وهي جملة. فيها دقة. وايجاز. وابداع. يقرر فيها أن التسامح الديني إنما هو "اختراع إسلامي". واعتقد أنها جاءت في معرض الرد علي الحملات المغرضة التي كانت تستهدف الإسلام والمسلمين في الغرب عمومه وتتهمه بالتعصب وتحاول الصاق تلك الصفة بالإسلام. تعالوا نتعلم التسامح ونوقف فوراً خطاب الكراهية ونمحو ثقافة الكراهية وتوجهات الاقصاء والالغاء ولتحل محلها ثقافة الحب والاستيعاب والاحتضان والرحمة ليشيع الأمن والأمان. خطاب الكراهية يشوه كل شيء علي وجه الأرض.. كل جميل كل علاقة مع الآخر المختلف معك دينياً وفكرياً أو ايدولوجياً كما يقولون.. خطاب الكراهية يشعل الرغبة في الاقصاء والابعاد. خطاب الكراهية هو الذي يفرض لغة التخوين ويجلب ويستدعي دعاة التكفير وفتاوي التكفير والتفسيق والاخراج من الملة. خطاب الكراهية هو الذي يفرض ويستدعي الخطاب الاستعلائي المتعصب البغيض الذي يدعي احتكار الصواب المطلق.. والتحدث الحصري باسم الدين والوطنية أيضا. 1⁄41⁄4 الآن قد يسأل سائل.. هل هناك وصفة سحرية لتعليم التسامح؟!! الإجابة ببساطة.. نعم شرط أن تتوافر الإرادة الصادقة والرغبة الحقيقية للتسامح.. فالتسامح خلق يكتسب يعززه الدين والإيمان والقانون والتربية المستمرة والمتصلة في كل مكان.. في البيت في المدرسة والمسجد.. دور العبادة.. في النادي.. في الشارع.. عند البيع والشراء.. فقد رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشتري.. في العلاقات داخل البيت بين الأبناء والاخوة بين الزوج والزوجة.. الأصدقاء.. رفقاء الطريق والعمل.. وكل مكان فيه اتصال بالإنسان أي إنسان. ويمكن تعزيز تعليم التسامح أيضا بالفن بكل أنواعه وأشكاله وفي مقدمتها الأغنية والتي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل وجدان كثير من الشباب في الفترة الأخيرة.. وفي الهاب الحماس الجماهيري تجاه القضايا المختلفة خاصة الوطنية. وقد رأينا في الفترة الأخيرة أغاني تجمع وتدعو للوحدة وكان لها صداها.. وفي المقابل كانت أخري تفرق وتدعو للتمييز والعنصرية وقد اثارت ردود فعل غاضبة ورافضة. إذا لم نتسامح واصررنا علي مقابلة الإساءة بالإساءة فمتي تنتهي الاساءة؟ ومتي ننظر إلي الأمام ونرسم خطوات المستقبل المشرق الآمن لنا ولكل الأجيال؟!! 1⁄41⁄4 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مال. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" رواه مسلم. 1⁄41⁄4 عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله. أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر. ما أقول فيها:؟ قال: "قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" رواه الترمذي. 1⁄41⁄4 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:لايحل لأمرئ مسلم يسمح كلمة من أخيه المسلم أو عن أخية المسلم أن يطن بها سوءاً وهو يجدلها في الخير محملاً":يقول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: "إذا قدرت علي عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه". يقول الشاعر بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه. إذا أنت لم تشرب مراراً علي القذي ظمئت وأي الناس لا تصفو مشاربه 1⁄41⁄4 ويقول آخر: إذا ضاق صدر المرء لم يصف عيشه وما يستطيب العيش إلا المسامح ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهداً كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب 1⁄41⁄4 يقول غاندي: "نحن لا نعادي الأشخاص بل أخطاءهم". 1⁄41⁄4 "عظمة الرجال تقاس بمدي استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساءوا إليهم" تولستوي. يقول بوبليليوس سيروس: "سامح عدواً واحداً تكسب أصدقاء كثيرين". 1⁄41⁄4 "من عاشر الناس بالمسامحة زاد استمتاعه بهم" أبو حيان التوحيدي.