أرجو أن يأخذ د.مختار جمعة وزير الأوقاف مسألة تحفيظ القرآن الكريم ومحفظيه مأخذ الجد.. وإلا يتعامل مع هذه القضية المهمة والحساسة من منظور سياسي فقط.. وأن يكون القرار الخاص بتحفيظ القرآن وقصره علي الأزهريين.. بداية لقرارات توسعة علي الحفظة والحفاظ لكتاب الله تعالي.. وليس تضييقاً عليهم.. وساعتها نقول رب ضارة نافعة. نأمل أن تكون القرارات المتعلقة بالقرآن الكريم لها حظ من التقدير والتكريم احتراماً لقدسية كتاب الله العزيز وإجلالاً لأهل القرآن وحملته.. لأننا بالفعل نحتاج إلي إعادة الكرامة والهيبة إلي حفظة ومحفظي القرآن.. نحتاج إلي أن ننتقل بهم إلي الدور والمكانة التي يستحقونها.. ليشاركوا في صناعة أجيال المستقبل.. وليساهموا في إرساء القواعد الحقيقية للمثل العليا والأخلاق الحميدة.. نحتاج إلي أن ننتقل بهم وفي التعامل معهم.. من رؤية ومنظور "التربي" "خادم المقابر".. لنرتقي بهم إلي مرتبة المربي والحكيم. نحتاج أن نعيد لهم درجة ومكانة "سيدنا" بكل ما تحويه وتعنيه الكلمة وما توفره من ظلال نفسية ومعنوية.. ليكون أهل القرآن ومعلموه ومحفظوه هم الأسياد.. هم أهل الحظوة في كل مكان.. وليس أهل المغني والطرب و"الهشك بشك" كما يقال.. الذين جثموا علي رؤوس البلاد والعباد عقوداً طويلة وكانت النتيجة كما ترون والي الحال الذي وصلنا إليه. كفانا رقصاً وتضييعاً للأمور وتمييعاً للقيم وقتلاً لكل معاني النخوة والرجولة والأدب والحياء والأخلاق.. وكفانا بكاء وندماً علي اللبن المسكوب وشكوي من انعدام الأدب والجرأة والتطاول.. والادعاء بأنه جيل أغبر والاختباء حول العبارات والكلمات الفاسدة من هذا القبيل. ولمن يجدون في صدورهم حرجاً مما يقرأون أو يشعرون بغرابة وغربة مع هذا الكلام فأنا ادعوهم ببساطة إلي مراجعة سير وتراجم كل العلماء والنوابغ والمتفوقين فسيجدون دون عناء بحيث أن هناك عاملاً مشتركاً أكبر وأصغر بينهم إنه حفظ القرآن الكريم .. وان كلا منهم تلقي القرآن وهو دون الخامسة أو السادسة.. ولا أبالغ إذا قلت ان من بين النصاري أيضاً من حفظوا القرآن في الصغر.. ولم يكن البابا شنودة الثالث وحده نموذجاً فريداً في هذا الباب بل سبقه ولحقه كثيرون علي خطي حفظ القرآن الكريم.. وقد كان أستاذنا في كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأستاذ صليب بطرس يحفظ القرآن وهو يدرس لنا مادة اقتصاديات الصحف. وهناك شهادات كثيرة لمسيحيين علي هذا الصعيد.. حتي وإن حفظوا القرآن لأسباب أخري.. نحتاج بالفعل يا سيادة وزير الأوقاف وأنت العالم الأزهري والأستاذ بجامعة الأزهر أن نعيد الاعتبار لحفظة القرآن ومحفظيه بعد أن طاردت هذا القطاع لعنة أو جناية الاتهامات بالإرهاب والإرهابيين.. فأصابهم ما أصابهم إثر نصائح خبراء السوء بضرورة تجفيف المنابع.. وإثر مشورتهم السوداء المغرضة بأن حفظة القرآن والمدارس القرآنية هم منابع التطرف وأفران صناعة الأصولية الإسلامية..!! ولذا فلابد من هدمها لأن ذلك بحسب زعمهم كفيل باجتثاث التطرف والأصولية من جذورها.. وللأسف الشديد علي ما يبدو فقد كانت العصا غليظة وأمريكا كانت ولا تزال مصابة بهوس وجنون الأصولية ومحاربة التطرف.. فكانت الضربة شديدة علي أهل القرآن والمدارس القرآنية ليس في مصر فقط ولكن في أنحاء الكرة الأرضية. ومن المفارقات العجيبة أنهم كانوا يقاومون الأصولية والمدارس القرآنية في العالم الإسلامي والغربي ويسمحون لها بأن تتمدد بل وتقود.. في أمريكا نفسها وفي إسرائيل حتي وقع ساستها وحكامها في قبضة الأصولية واليمين المتطرف.. الذي أصبح يشكل الورقة الرابحة في كل انتخابات رئاسية أو برلمانية.. خاصة بعد أن أصبحوا قوة ورقماً لا يمكن أن تخطئه عين علي الساحة. كنت آملاً ولازلت أن يقوم السيد وزير الأوقاف بعمل دراسة شاملة وواقعية عن قضية حفظة ومحفظي القرآن الكريم.. ويقدم التصوير العلمي الدقيق لها بالتعاون مع الأزهر مشيخة وجامعته لأن لهم جهوداً كبيرة علي هذا الجانب بل إنهم حتي عقود قريبة كانوا هم المصدر الرئيسي لذلك.. وكان يكفي القول إن الرجل أزهري.. لا بل أيسر من ذلك كان يكفي الحافظ أو المحفظ أن يرتدي العمامة فقط حتي بدون الجبة والقفطان أو الكاكولا.. حتي يضرب الجميع له تعظيم سلام وتقوم له المجالس اجلالاً وتعظيماً.. وذلك بالطبع قبل فترة الانحلال والتحلل والتفسخ العلمي والأخلاقي.. وتعرض الشخصيات الدينية تحديداً للسخرية والنيل منهم في فترات الشبق للتحرر والانفتاح والتعرية والتغريب الحضاري واستخدمت الأدوات الفنية في السينما والمسرح والمسلسلات لتنفيذ هذه المهمة.. وتقديم تلك الشخصيات في صورة هزلية تثير السخرية والرثاء معاً. كنت أتصور ألا نغفل تلك الجهود الجبارة والانجازات العظيمة علي صعيد تحفيظ القرآن الكريم في السنوات الأخيرة.. بل ونسارع إلي محوها بجرة قلم أو بقرار متعجل ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب. فقد أبلت الجمعيات الأهلية والجهود الفردية والقنوات الفضائية بلاء حسناً في طريق تسهيل الحفظ وتيسير مهمة الحفاظ والمعلمين علي السواء.. وذلك في الوقت الذي خبت فيه الجهود الرسمية واقتصرت علي ملاليم ضئيلة لا تغني ولا تسمن من جوع للحفاظ والمحفظين.. وفي وقت تقلصت فيه الاهتمامات بتحفيظ نصوص من القرآن في المناهج الدراسية لأسباب ودوافع بعضها مضحك وكثيرها مشين مخجل. كنت أتصور أن يبدأ وزير الأوقاف بحل مشكلة حفظ القرآن داخل الوزارة ولدي الأئمة والخطباء.. وكثير منهم منزوع الثقة به من الجماهير العريضة لأنه يخطئ حتي في قراءة الآيات التي يصلي بها.. وهذه مشكلة كبيرة وبعض الأئمة لم تفلح معهم دورات وتدريبات من هنا أو هناك. لقدكانت مشكلة كل من يتقدمون إلي مسابقات الأئمة والخطابة هي حفظ القرآن.. وعشرات الآلاف يتقدمون وليس أمامهم عقبة إلا القرآن.. وكلهم يا معالي الوزير من خريجي جامعة الأزهر.. وقد وصل الأمر إلي أن أحد الوزراء علي ما أعتقد العالم الجليل الدكتور محمود حمدي زقزوق كان يشترط فقط حفظ القرآن للمتسابقين ولو طبقت القاعدة مائة في المائة لكانت النتيجة لم ينجح أحد.. أعتقد أن حال معظم طلبة جامعة الأزهر مع القرآن الكريم ليست غائبة عن بال وعقل الدكتور مختار جمعة وهو أستاذ بجامعة الأزهر. وهنا لابد من الإشارة والاعتراف بأن هناك نماذج رائعة في الحفظ تلاوة وتجويداً بين طلاب الأزهر وخاصة في الكليات العلمية.. وذلك بفضل دور الأسرة أو الجهود الفردية للطالب. مهمة الانقاذ وإصلاح ما أفسدته سنوات الفساد والسياسة معاً.. ليست مسئولية جهة واحدة بعينها ولكنها واجب الجميع وإذا لم تتكاتف المؤسسات مع الأفراد وتتضافر الجهود من أجل خدمة كتاب الله المجيد ومن أجل الوطن ومن أجل بناء أجيال صالحة واعية تخاف ربها وتتقيه في كل الحركات والسكنات فمتي نتفق ونتعاون؟؟. روي الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران. فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان. أو كأنهما غيايتان. أو كأنهما فرقات من طير صواف. تحاجان عن أصحابهما". روي البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً". يقول التابعي الجليل الفضيل بن عياض رحمه الله: "حامل القرآن حامل راية الإسلام. لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو. ولا يسهو مع من يسهو. ولا يلغو مع من يلغو". وقال أيضاً: "ينبغي لحامل القرآن ألا تكون له حاجة إلي أحد من الخلفاء فمن دونهم". وقال بعض السلف: إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شم رأسه. قال: أجد في رأسه القرآن. فيقال شم قلبه. فيقول: أجد في قلبه الصيام. فيقال: شم قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام. فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل. وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل. ويقول الشاعر: يا نفس فاز الصالحون بالتقي.. وأبصروا الحق وقلبي قد عمي يا حسنهم والليل قد جنهم.. ونورهم يفوق نور الأنجم ترنموا بالذكر في ليلهم.. فعيشهم قد طاب بالترنم قلوبهم للذكر قد تفرغت.. دموعهم كلؤلؤ منتظم أسحارهم بهم لهم قد أشرقت.. وخلع الغفران خير القسم ويحك يا نفس ألا تيقظ.. ينفع قبل أن تذل قدمي