مهما قامت حروب بين شعوب المعمورة. وتناطحت الأمم. وجيشت الجيوش لمواجهة بعضها بعضا. طمعا في استغلال اقتصادي. أو رغبة في احتلال أرض. أو لهدف إيقاف تقدم حضارة ما...مهما اندلعت الخلافات التي تشعل تلك الحروب. وتقيم الدنيا ولا تقعدها لأسباب معلومة وخفية. وتعالت أمة علي أخري. فإنه يبقي دائما تلاقح الحضارات. وتكاملها. واستفادة كل حضارة من أخري ولا يمكن نكران ذلك أو إغفاله. فإن من المعلوم أن الشرق دائن للغرب بأشياء كثيرة نقلت الأخير من عصور الظلام إلي عصر التنوير. ومن غيامات الانحطاط إلي إشراق الارتفاعات. ولا شك أن الغرب بعد أن هضم ما نقل إليه من ثقافات واستفاد منها صعد نجمه وعلا شأنه. وأصبح هو المصدر للنور والتقدم إلي الشرق. ولكن هناك نعرة تعلنها الأنانية ويسوقها الكبرياء. ويدفعها الغرور أصاب بعضا من مفكري الغرب. فحواها أن صداما دائما يقوم بين الشرق والغرب ولا يمكن أن يلتقيا. وأن الشرق متأخر وسيظل دائما وأبدا هو الناقل للحضارة والمقلد للفكر الغربي حين أن الأخير هو المبدع وهو صاحب الابتكار الدائم. وبنظرة سريعة إلي مناهج التاريخ والاجتماع نجد أن الشرق هو مصدر الديانات التي قام عليها نهوض الإنسان وتقدمه. وانتشرت هذه الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام في ربوع بلاد العالم بما تحمله من قيم. وتشيعه من حضارة إنسانية رائعة ارتقت بالإنسان ونقلته من عبادة الطواطم والأوثان والرموز إلي عبادة الله الواحد وهذا في ذاته نقلة رائعة للإنسانية.وكان الإسلام هو خاتم الأديان جميعا أمر أتباعه بدعوة الآخرين إلي طريق الحق والخير والهداية بعقل متزن يحسن العرض والجدال "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن" "سورة النحل آيه 125" وذلك دون انتظار عما إذا كانوا سيؤمنون أو لا يؤمنون. "إنما أنت مذكر.لست عليهم بمسيطر" "سورة الغاشية آية 21.22" وجاء في كتاب الله عز وجل الذي أنزله علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الآيات الكثيرة التي تدل علي أنه سبحانه وتعالي أمر المسلمين بالجدال الحسن والحوار الجميل. مهما كانت نتيجة ذلك الحوار ومهما طال الجدال. وفي تطبيق ذلك قام المجتمع الإسلامي يضم بين مواطنيه يهودا ونصاري دون أن ينتقص من حقهم شيئا كما لم يقص منهم أحداي بسبب اختلاف الديانة أو بزعم الصراع بينهم وبين المسلمين. بل وصل التكامل مع الحضارات الأخري بإطلاع علماء المسلمين علي علوم غيرهم من الإغريق والفرس وترجموا كتبهم وعلقوا عليها وشرحوها وأضافوا إليها الأمر الذي استفاد منه العالم كله وعندما قامت الحروب الصليبية في الفترة من 1095 حتي 1291 ميلادية وكان ذلك قمة الصراع الإسلامي الغربي. ويمثل صداما قويا في نظر الأوربيين فترتب علي ذلك أن تقهقر الشرق الإسلامي وتعطل التقدم والإبداع حتي سيطر العثمانيون علي الشرق الإسلامي كله. وأداروا صراعا مع الغرب التي تفتقت عبقريته الشيطانية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بزرع دولة إسرائيل في قلب الأمة العربية لتكون شوكة دائمة وجرحا غائرا في جسد تلك الأمة. ولكن ذلك كله لم يجعل الشرقيين أو المسلمين بمعني أصح في حالة صدام أو صراع مع حضارة الغرب ولكن الصراع أو الصدام أخذ شكلا آخر هو الجهاد لتحرير البلاد من ربقة الاستعمار واستمر انحياز مفكريه إلي اعتناق فكرة أن العلاقة بين الشرق والغرب هي علاقة صراع وصدام وليس علاقة حوار مقتنعين بذلك علي أساس أن الغرب القوي المبدع الخلاق لا يمكن أن يتحاور مع ضعيف خامل مقلد يعيش عالة علي ما يقدمه إليه وإلي البشرية من عناصر الرقي والتقدم وكان علي رأس المفكرين الذين تبنوا فكرة الصدام والصراع في العصر الحديث صامويل هنتنجتون صاحب كتاب صدام الحضارات. وفرانسيس فوكوياما الأمريكي من أصل ياباني صاحب كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير وغيرهم كثير وإن كان هناك بعض المفكرين الكبار لا يقر فكرة الصراع أو الصدام مثل أرنولد توينبي.واستشعر المسلمون نظرة الغربيين لهم بالدونية تسوقها الكراهية ويغلفها العداء الشديد ولم يكن ذلك قاصرا علي الأفراد العاديين أو المفكرين فقط وإنما كانت نظرة الحقد والعداء تصل إلي قلوب الساسة ومعاونيهم وورد في تقرير قدمه مستر روستو المستشار الأول للرئيس جونسون سنة 1964 ونقله إلي العربية سعد جمعة في كتاب المؤامرة ومعركة المصير صفحة 87 قائلا ¢ لكي يغدو بإمكاننا تفهم العلاقة مع الشرق يجب أن ندرك أن تلك الخلافات بين إسرائيل والعرب لا تقوم بين دول أو شعوب بل تقوم بين حضارات...ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب أي خضعت الحضارة الإسلامية للحضارة الغربية وتركت هذه السيطرة آثارها البعيدة في المجتمعات الإسلامية ...ثم أضاف بعد كلام كثير..وإن كان الشرق الإسلامي قد تحرر من سيطرة الغرب السياسية لكنه لم يستطع الخروج من سيطرة الغرب الحضارية. إن ثروته البترولية تُصنع وتُسوق بالعقول الغربية والأساليب الغربية والآلة الغربية...إن غلبة الحضارة الأوربية في الشرق وهي العدو القديم للحضارة الإسلامية قد أورثت العربي المسلم الشعور بالضعة والمهانة والصغار أمام طغيان تلك الحضارة التي يمقتها ويحترمها في نفس الوقت¢. وأخيرا فإن الشرق الإسلامي مهما تحدث المفكرون من أبنائه عن الحوار وأهميته والدعوة إليه فلن يكون لذلك قيمة أو مكانة أو أدني اعتبار ولن يتقبل الغرب فهم ذلك حتي ولو كان التسامح هو الروح الذي تسيطر علي أفعال المسلمين إلا إذا كان هذا الشرق ينافس أو حتي يشارك في تقديم ما ينتجه الغرب من أدوات وألات وكافة ما يرقي بالإنسان ويسعده نابذاي مجرد الانتفاع بما يقدمه العقل الغربي للبشرية. وفرق شاسع بين أن تكون منتجا أو مستهلكا وبين أن تكون مبدعا أو ناقلا وبين أن يكون قرارك من رأسك لأن طعامك من فأسك وبين أن تكون عالة علي إنتاج الآخرين تدفعك الحاجة إلي استرضائه وتلقي بك إلي قرار التبعية والدونية أو أن تكون مشاركا في بناء الحضارة والقيمة ومن هنا لا يمكننا أن نتحاور وان نكون نداي لند وعقلا بعقل ولا نستطيع أن نرفع الرأس ونعلي الصوت ونخطو خطوات نحو النور والرفاهية والعدل والخير إلا إذا كنا والغرب علي قدم واحدة وفي مقام واحد بالعلم والعمل الدائم المستمر وإلا سيظل الصراع والصدام من جانبهم ووهم الحوار من جانبنا.