أواصل معكم حديثي عن حجة النبي . صلي الله عليه وسلم. ورد في الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك قال ابن عباس : فيقول رسول الله قدي قدي أي قد كفاكم هذا فاقتصروا عليه ولا تزيدوا لأنهم كانوا يقولون: بعدها إلا شريكاً هو لك تملِكُهُ وما مَلك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت. يقول جابر: حتي إذا أتينا البيت معه استلم الركن. أي مسحه بيده وهو سنة في كل طواف وفي صحيح مسلم أن رسولَ الله كان لا يستلمُ إلا الحجر والركن اليماني وقد أجمعت الأمة علي استحباب استلام الركنين وتقبيل الحجر الأسود إن أمكنَّ ذلك من غير إيذاء لأحدي من المسلمين والمسلمات. وفي الحديث الذي رواه مسلم أن عمر بن الخطاب قَبَّل الحجر الأسود وقال "والله إني لأُقبلُك وإني أعلمُ أنك حجر وأنك لا تضرُ ولا تنفع ولولا أني رأيتُ رسولُ الله يقبلك ما قبلتُك" يقول جابر: حتي إذا أتينا البيت معه استلم الركن فَرَمَلَ ثلاثاًَ ومشي أربعاً . والرمل هو إسراعُ المشي مع تقارب الخطا وهو مستحب في الأشواط الثلاثة الأُول. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس قال قدم رسولُ الله وأصحابُه مكة وقد وهنتهم حُمي يثرب فقال المشركون: إنه قدمُ عليكم غداً قومى قد وهنتهم الحمي وَلَقُوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحِجْرَ وأمرهم النبي أن يرمُلُوا ثلاثة أشواطي وأن يمشوا ما بين الركنين ليري المشركون جَلَدَهم فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمي قد وهنتهم هؤلاء أجلدى من كذا وكذا قال ابن عباس ولم يمنعْهُ أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كُلها إلا الإبقاءُ عليهم". يقول جابر : ثم نفذ إلي مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ پفجعل المقام بينه وبين البيت وصلي ركعتين "قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون. وقل هو الله أحد" ثم رجع إلي الركن. فاستلمه ثم خرج من الباب إلي الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: ثم قال النبي : أبدأ بما بدأ به الله عز وجل فبدأ بالصفا فرقي عليه حتي رأي البيت فاستقبل القبلة وفي رواية أبي هريرة في صحيح مسلم "ورفع يديه" فوحد الله وكبره وقال : "لا إله إلا الله. وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد . وهو علي كل شئ قدير . لا إله إلا اللهُ وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" ثم دعا بين ذلك قال مثلَ هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلي المروة حتي إذا أتي المروة ففعل عليها كما فعل علي الصفا . حتي إذا كان آخرُ طوافهِ علي المروة فقال: "لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً " فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدي فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَي وَقَالَ "دخلَتِ الْعُمْرَةُ فِيْ الِأَبَدي الأَبَدي". قال جابر: فحل الناسُ كلُهم وقصَّروا إلا النبي ومن كان معه هديى فلما كان يومُ التروية "ويومُ التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة". توجهوا إلي مِني فأهلوا بالحج وركب رسولُ الله فصلي بمني الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتي طلعت الشمسُ وأمر بخيمة تُضرب له بِنَمره فسارَ رسول الله ولا تشكُ قريشى إلا أنه واقف عند المشعرِ الحرام كما كانت قريشى تصنعُ في الجاهلية فأجز رسولُ الله حتي أتي عرفه فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة فنزل بها حتي إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فَرحُِلَتْ له فأتي بطنَ الوادي فخطب الناس وقال: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامى عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعى وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةى وَإِنَّ أَوَّلَ دَمي أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدي فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلى وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعى وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعى كُلُّهُ". ثم قال :" َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ..... ثم قال :" وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل". ثم قال : "وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَي السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَي النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتي ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّي الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّي الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّي أَتَي الْمَوْقِف "بالقرب من الصخرات" وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ "يدعو الله عز وجل " فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّي غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّي غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ. وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ "حتي لا تسرع" والرسول يشير إلي الناس بِيَدِهِ الْيُمْنَي أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ.... حَتَّي أَتَي الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّي بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَاني وَاحِدي وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا "أي لم يصل بينهما نافلة" ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّي طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّي الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَاني وَإِقَامَةي ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّي أَتَي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّي أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ... حَتَّي أَتَي الْجَمْرَةِ الْكُبْرَي فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتي يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةي مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَي الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بدنة بِيَدِهِ وفي مسند أحمد وصحيح مسلم من حديث أنس "رسول الله أتي مني فرمي ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلي جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يُعطيه للناس". قال جابر: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ إلي مكة فَأَفَاضَ إِلَي الْبَيْتِ "أي طاف طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين" ثم صَلَّي النبي بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَي زَمْزَمَ فَقَالَ: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَي سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ" فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. تقول عائشة كما في مسند أحمد وسنن أبي داود ثم رجع رسولُ الله إلي مِنًي فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةي بِسَبْعِ حَصَيَاتي يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةي وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَي وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا. وبعد انتهاء أيام التشريق عاد النبي مرة أخري إلي مكة ليطوف طوافع الوداع كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدى حَتَّي يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ . وهذا بإيجاز هو حج المصطفي الذي قال : "خذوا عني مناسككم" . وهذه هي الحجة الوحيدة التي حجها النبي . وصلي الله وسلم علي محمد.