والمساجد ايضا اصابها ما اصابها من دوار الساسة وجحيم السياسة.. واكتوت المنابر بنيران صديقة وغير صديقة علي السواء.. ولم تكد المساجد تتخلص من هموم ماقبل الثورة وأوجاع ما بعدها.. حتي وجدت نفسها تدور في حلقات اشد وطأة وأنكي.. من قبل.. كانت المشكلة الاكبر في المبعدين امنيا وسياسيا.. سواء من داخل القطاع الديني او من خارجه.. الآن اضف الي الداء القديم فيروسا اشد خطورة افرزته حالة السيولة السياسية والفوضي التي تضرب اطناب المجتمع.. والخيبة او قل الوكسة والانتكاسة والتراجع الذي تتعرض له او تعيشه التيارات الدينية الاسلامية علي الساحة بلا استثناء.. المنابر الآن او المسئولون عنها حائرون بين الخطباء "الصالحين" بالفعل من اصحاب الصلاح الحقيقي وبين اصحاب الصلاحية الذين تتوافر فيهم الحدود الدنيا لارتقاء المنبر.. ممن تصح بهم الصلاة علي اضعف الايمان.. ومهما يكن من عذر او مبرر للقيام بخطوات للسيطرة علي المساجد وتجنب محاولات اختطافها لصالح تيار ما او فكر ما او توجه بعينه في المرحلة الراهنة.. فإن التحديات تقتضي إعمال قدر اكبر من الحكمة واللجوء الي العقل لكبح اندفاعات غير محسوبة قد تكون عواقبها وخيمة فيما يظنون انهم يحسنون صنعا.. ونقول ما هكذا تورد المساجد يا سادة المسجد له طبيعته الخاصة ومكانته المقدسة ودوره الحيوي في البناء والتربية... ولا يصح بأي حال من الاحوال ان نجعله في وضع عاصف وعرضة للأنواء السياسية والصراعات الحزبية.. والمواجهات التي يبرأ منها كل شرع ودين. ولا يجب ان نغفل او نتغافل عما تعرضت له كثير من المساجد ابان الشهور الماضية في القاهرة وعدد من المحافظات.. وصلت الجرأة فيها حد العدوان عليها من قبل عمليات بلطجة واضحة وصريحة.. وتم الاعتداء علي ائمة كبار وتم حصارهم حتي تدخل الامن وأفرج عنهم "مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية خير مثال".. وبلغ الحديث وقتها عن الاخونة والسلفنة وغيرها مداه بصورة مشينة ومريبة.. اما ماحدث في رابعة العدوية ومسجد الفتح فهذا حديث آخر وكارثة خرجت منها جميع المساجد جريحة.. وزاد من الوضع سوءاً وحرجا ان اصبحت المساجد نقاط تمركز وتحرك والتقاء لحركات وتحركات كل القوي اسلامية وغير اسلامية وهو ما زاد من الضغط علي المساجد ومنابرها وحتي الساجدين فيها.. هذه السيولة السياسية التي اقحمت المساجد واستغلتها في الحراك العام تفرض وقفة حاسمة من الجميع كل المؤسسات والقوي اسلامية وغير اسلامية والبحث عن وسيلة لتبريد ساحة المساجد والابتعاد بها عن ذلك الصراع السياسي الضاري بعد ان ثبت بما لا يدع مجالا لشك ان كل القوي بلا استثناء تجرأت. علي المسجد وانتهكت حرمته وتطاولت علي مقامه الرفيع وجرحت قدسيته بلا خجل او حياء او وازع من دين.. ومن هنا فإن ترك المهمة او تعليقها في رقبة وزير الاوقاف وعصا الامن الغليظة امر خطير وسيزيد الامر صعوبة وتعقيدا. ومن يقرأ او يطالع خريطة المساجد في مصر سيدرك عظم وخطورة المهمة.. ولن نضحك علي انفسنا ونقول ان المساجد تحت السيطرة الحكومية او الرسمية حتي وإن قالت الحكومة انها ستضم جميع المساجد والزوايا وتخضعها لاشرافها.. فقد قالت من قبل ولم يحدث.. وخريطة المساجد تزداد وتتمدد يوميا والقدرات والامكانيات ضعيفة. ثم ان هناك جهات وجمعيات دينية لا تزال تشرف وتتولي مسئولية مساجد كبري ولها جماهير عريضة وخطباء ووعاظ مشهود بعلمهم وكفاءتهم ويحظون بشعبية لا يمكن انكارها. ثم انه من الخطورة بمكان اتخاذ اجراءات من شأنها زعزعة الثقة او اثارة الشكوك او اضعاف دور المساجد او الايحاء و الايماء بتوجهات معينة مع او ضد هذا او ذاك.. لابد من التأكيد علي انني مع عمليات الضبط والربط الإداري ووضع القواعد المنظمة للعمل وخطط تحقيق الاهداف الدعوية والتربوية في برامج منظمة ومواسم ثقافية واضحة ومحددة.. ويكون المعيار الحاكم هو الالتزام بتنفيذ الخطة ومعاقبة من يقصر او يحيد عن الهدف بصورة فردية.. ولعل هذا ما يطرح فكرة وجود لوائح او قرارات تنظم وتضبط العمل في الوعظ والدعوة عموما.. تكون معلومة للجميع ويتم الالتزام بها بشدة في اوقات المحن والخطوب.. اخشي ما اخشاه ان نقع او نخلق مشاكل اكبر واعقد عند محاولة دفع ضرر محتمل او متوقع في اوقات الريبة او مع تسلط الفتن وسيادة فكر الكراهية والرفض للآخر بسبب او بدون سبب.. نريد ان نتخلص من امراض السياسة وما جلبته من مآس علي المساجد والدعاة من قبل.. نريد ان نقتلع الاشواك في طريق الدعوة ونزيل العقبات القديمة التي كانت تكبلها ولا تزال تعرقلها عن تحقيق الاهداف السامية.. حتي تركت الجماهير في النهاية نهبا لافكار شتي من هنا وهناك.. حتي زاغت الكثير من الابصار وضل عدد غير قليل من العقول.. تحت شعارات براقة ورايات مذهبية ضيقة ومتحجرة لا تعرف من سماحة الاسلام وإنسانيته وسعة افقه وشموليته الا النذر اليسير.. احذر من الوقوع في فخ غواية الابعاد والاقصاء واستمراء واستسهال قرارت بالاقصاء والابعاد والمنع من الخطابة.. فهذا سلاح قد يكون ضرره اكثر من نفعه.. واخشي ان يكون سببا في صنع نجومية لمن لا يستحقون او غير المؤهلين للنجومية.. ويحملون شهادة المنع علي انها وسام الترقي.. يجب الا نغفل او نتعامي عن حقيقة الوعي الجماهيري المتصاعد وقدرتهم علي التفاعل وادراك الغث من الثمين.. ومعرفة من يتاجر بالدين ومن يتبع هواه ومن يضل الناس بغير علم او حتي بعلم.. يجب ألا نغفل عن حقيقة ان هناك كثيراً من الجماهير تتبع دائما إمامها وخطيبها وتسير وراءه في اي مكان وقد تسافر وراءه الي محافظات بعيدة لتستمع الي خطبة الجمعة او الدرس وما شابه.. والعقود الماضية سجلت عشرات من الائمة والدعاة وتعرفهم اجهزة أمن الدولة جيدا ولهم معهم صولات وجولات ولعلي لا اكشف سرا ان بعض المساجد الكبري هجرها روادها من المصلين بعد ابعاد خطباء بعينهم منها.. ولم يعد روادها بالعشرات بعد ان كانوا بعشرات الالوف وتكتظ بهم ساحات المسجد.. اصلاح المساجد لا يكون بتصاريح الخطابة ومن يتحكم فيها ولكن بأمور اخري اكثر اهمية يعرفها الجميع من قبل ومن بعد.. فعليكم بها فلاتظلموا انفسكم وانتم تتلون الكتاب.. وانتم تعلمون..!! 1⁄41⁄4 من أسرار القرآن الكريم في قوله تعالي في سورة الجن: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا." أمر إلهي للناس جميعا إن المساجد له وحده فلا يجوز التوجه بالدعاء فيها لغير الله ولا الاستعانة فيها بغيره وهذا الأمر الإلهي من قواعد الإسلام الأساسية وعلي ذلك فإنه لا يجوز للعبد المسلم في جميع أحواله أن يعبد غير خالقه أو أن يتوجه بالدعاء إلي غيره أو يطلب الاستعانة ممن سواه لأن ذلك يدخل العبد في دائرة الشرك الذي لا يغفره الله تعالي أبدا. وقد خص الله تعالي المساجد بهذا التحذير الإلهي لأن المساجد هي أماكن العبادة ولكي تقبل عبادة العبد يشترط أن تكون خالصة لله تعالي وألا ينشغل في عبادته بغير الله وإلا حبطت تلك العبادة. ** عن أبي سعيد رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: "ان بيوتي في الأرض المساجد وان زواري فيها هم عمارها. فطوبي لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي. وحقيق علي المزور أن يكرم زائره".