في ظل ما يعيشه بلدنا الحبيب مصر من أحداث متلاحقة ومع قراءة تاريخها الضارب بجذوره في الأعماق يأتي سؤال مهم لابد أن نقف علي اجابته ألا وهو لماذا مصر؟ لماذا مصر دون غيرها تحاك لها المكائد وتنصب لها الشباك؟ لماذا يسعي كل من أتيحت له القوة المادية للسيطرة علي بلدنا فكريا واقتصاديا وعسكريا؟ لماذا ينظر إلي جيشها وأمنها ورخائها نظرة الحقد والمكر والكيد؟ ولماذا هي باقية قد استعصت علي أعدائها؟. لا شك ان الاجابة عن هذه الأسئلة متعددة النقاط فخصوبة أرضها وسعة رقعتها وامتداد نيلها وموقعها الجغرافي جعلها مطمعاً لكل غاصب ومحتل فهي تمثل الجوهرة الثمينة والمركز المتميز الذي من سيطر عليه سيطر علي العالم بأسره. علم هذه الحقيقة الهكسوس الذين غزوا مصر وسيطروا عليها قرناً من الزمان إلي أن حررها أحمس بجيش قوي استخدم فيه العجلات الحربية وآلات للحرب لم يعرفها غير المصريين. وتوالت علي مصر الكثير من الدول الطامعة في خيرها ومقدراتها وقيادة العالم مروراً بالرومان الذين أذاقوا المصريين مرارة العذاب إلي أن حررها عمرو بن العاص من قبضتهم ثم مرورا بالحملات الصليبية وحتي الاحتلال الانجليزي وأخيرا حرب تحرير سيناء. كل هذا يكشف عن مدي أهمية هذه البقعة المباركة للعالم أجمع وانها مركز السيطرة علي الدنيا بأسرها. وهذا مما عبر عنه سيدنا يوسف عليه السلام بقوله لعزيز مصر "قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم" أو إن شئت فقل عنها "أم الدنيا". ولنا أن ندرك هذه الحقيقة من خلال القرآن الكريم الذي تحدث عن مصر صراحة في خمسة مواضع هي: 1 قول الله تعالي: "اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم" سورة البقرة الآية "61". 2 قول الله تعالي: "وأوحينا إلي موسي وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين" سورة يونس الآية "87". 3 قول الله تعالي: "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" سورة يوسف الآية "21". 4 قول الله تعالي: "فلما دخلوا علي يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" سورة يوسف "99". 5 قول الله تعالي: "ونادي فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون" سورة الزخرف الآية "51". وجاء ذكرها تلميحاً في العديد من القصص القرآني وهو يتحدث عن نبي الله موسي عليه السلام وأحيانا يذكر جزءا من أرضها صراحة بل ويقسم به كقوله تعالي: "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين". وكونه تعالي يتحدث عن مصر صراحة أو تلميحاً فهذا مما يؤكد علي أن لهذا البلد مكانة وقداسة وحرمة وانها ستواجه بكثير من المشكلات والله حافظها وراعيها بل ومرسل إليها من يخفف آلامها ويكشف كربها ويقوي شوكتها. ولعل مما يكشف لنا عن هذه الحقيقة ان نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم قد أوصي بها صحابته الأخيار الأبرار فقد جاء في صحيح مسلم عن عبدالرحمن بن شماسة المهري قال: سمعت أبا ذر يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحماً". وفي رواية أخري لمسلم عن أبي ذر قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمي فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلي أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا". ولنا أن نسأل لماذا يوصي بها النبي صلي الله عليه وسلم ويوصي بأهلها خيرا؟ ذلك لما سيلاقونه من مكائد ومخططات تحاك بمصر وأهلها فوصي النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه ومن بعدهم بمصر وأهلها خيراً فلا عجب أن نجد علي مر التاريخ إخوة لنا من الدول العربية يساندون مصر وأهلها في وقت أزماتهم فهذا من منطلق وصية النبي الكريم بمصر وأهلها هذا أمر. وأمر آخر أن قدر مصر أن تكون علي الحدود الغربية لبلاد الشام والساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر الذي يفصل بينها وبين المملكة العربية السعودية وهذه منطقة تجتمع فيها المقدسات الإسلامية سواء الحرمين الشريفين في مكة والمدينة أو بيت المقدس في فلسطين. وعبر مرور التاريخ لم تتخل مصر عن مسئوليتها في الوقوف إلي جانب الدول العربية وحماية المقدسات الإسلامية والذود عن البلاد العربية انطلاقا من مسئوليتها وإدراكا لمكانتها. ومن ثم ندرك شيئاً مهماً ونحن نتحدث عن مكانة مصر وموقعها ألا وهو الأمن القومي لمصر الذي يتعرض بين الحين والآخر للمخاطر المتلاحقة. إذا كانت هذه مكانة مصر وأهميتها فلابد إذن أن يكون جيشها من أقوي الجيوش وأمنها من أذكي المؤسسات الأمنية ليقوم بواجبه المقدس ومن ثم يختلف جيش مصر عن جيوش العالم بأسره لأسباب منها: * ان الجيش المصري جيش قديم له تاريخ ارتبط بوجود مصر منذ فجر التاريخ. * انه جيش للشعب المصري وهذه حقيقة لابد من توضيحها. فجيش مصر أفراده من أبناء هذا الشعب وليسوا من المرتزقة الأجانب وهذا عرف من عهد الفراعنة حين تم تجنيد المصريين إجبارياً لبناء الأهرامات وحتي العصر الحاضر. فكل مصري يؤدي واجبا عليه يعرف بأداء واجب الخدمة العسكرية إذاً فالجيش بأفراده وقواده يجمع أخاً لي أو عماً أو خالاً أو صديقا أو قريبا أو نسيبا أو ابنا فإذا خاض حرباً فعقيدته ثابتة يقينية انه يدافع عن أهله ووطنه. ولذلك لم تخض مصر حرباً خارج أرضها عبر التاريخ ولم يرفع السلاح المصري إلا في حرب قضيتها واضحة ومن ثم ندرك لماذا جند مصر هم خير أجناد الأرض؟ حتي وإن جاءت رواية حديث خير أجناد الأرض بسند ضعيف فإن قراءة تاريخ الجيش المصري مقارنة بتاريخ جيوش العالم توقفنا علي صحة الحديث معني. ولا يشكك في هذا إلا مغرض دفعه حقده علي التشكيك. ثم لماذا مصر؟ لأنها أيضا محضن الثقافة العربية والإسلامية الوسطية المتمثلة في أزهرها الشريف الذي يدرس مذهب أهل السنة والجماعة المتمثل في المذاهب الأربعة والذي يتخرج فيه في كل عام الكثير من طلاب الدول العربية والإسلامية ممن عظم شأنهم في بلادهم وتصدروا المؤسسات العلمية في دولهم بل ودور البعثات الأزهرية في الدول الغربية والإفريقية والآسيوية مما يكشف عن هذه الحقائق. وما دور الأزهر الشريف في مواقف الأزمات ووقت الحروب عنا ببعيد فهو شريك في ثورة 1919 فقد أجج روح الوطنية في نفوس الشعب ضد المحتل وما تلاها من وقوف في وجه الاحتلال الفرنسي والبريطاني وضد العدوان الثلاثي. كما يعد الأزهر داعماً قويا للقضية الفلسطينية خاصة قضية القدس ففي عام 1929 قام شيخ الأزهر آنذاك الشيخ المراغي وطلابه بمطالبة بريطانيا بالكف عن دعم إسرائيل. ويرسل الأزهر علماءه للأراضي الفلسطينيةالمحتلة لتعليم الدين الإسلامي والعمل علي نشر التعليم. ويوجد فرع لجامعة الأزهر في غزة حيث تم إنشاؤه عام .1991 فالأزهر الشريف مؤسسة عريقة وقوة ناعمة مستهدفة من أعداء البلاد في الداخل والخارج ويجب دعمها في هذه المرحلة الراهنة والوقوف صفاً واحدا خلف إمامنا فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أمد الله في بقائه وجمع قلوب المصريين حوله. هذا الإمام الذي لا يأل جهدا في السعي من أجل جمع كلمة المصريين وتوحيد صفوفهم. وبهذا يمكن لنا أن ندرك الاجابة عن السؤال الذي بدأنا به حديثنا.. لماذا مصر؟ ونسأل الله أن يحفظها ويحفظ شعبها وأزهرها وجيشها وأمنها. اللهم آمين.