منَّ الله علي مصر بثورة ربانية عظيمة أيدها الله تعالي بمدد ونصر من عنده. وما كاد المصريون يهدأون من أجل بناء دولتهم والنهوض بها. حتي ظهر الانشقاق والنزاع بين التيارات والفصائل المصرية. هذا الاختلاف جعل النخبة والمثقفين - وحتي رجال الشارع العادي يستشعرون القلق والترقب والحذر والخوف من ضياع الثورة. ومنذ بداية الثورة حتي الآن وفي الوقت الذي تعمل فيه الثورة المضادة علي إجهاض الثورة.. ولايزال التنازع أو الاختلاف قائماً ونخشي أن يأتي اليوم الذي تبكي فيه هذه القوي علي "اللبن المسكوب" أو تقول في لحظة ندم "أكلنا يوم أكل الثور الأبيض". اللحظة الراهنة تتطلب توافق جميع القوي من أجل العبور الآمن لهذه المرحلة التي يتكالب فيها أعداء الداخل من أنصار الثورة المضادة وفلول النظام البائد. وأعداء الخارج من أجل إجهاض الثورة في هذا الاطار وفي سعي الجمعية الشرعية الدائم لتقديم النصيحة ومد يد العون والمشورة لإخوانها من جميع الفصائل والتيارات. ضرورة التوافق علي الاهداف الواضحة والمقاصد المشتركة وبالوسائل المشروعة. وحذر من التنازع الذي يدمر الدول ومن الفرقة التي تتسبب في فقدان الأمة لأبنائها كل يوم ومن الاختراق الذي ينهش في دول إسلامية كالصومال وغيرها. وحدة الأمة مستمدة من توحيد الله وان الله تعالي قد أكد وحدة الصف بقوله تعالي: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" "الانبياء: 92" فالله تعالي واحد والأمة أمة واحدة. مشيراً إلي أن الصراع بين الحق والباطل ممتد من الأزل وإلي الأبد. لذلك حث الله تعالي: أهل الحق أن يكونوا صفا واحدا كي يستطيعوا هزيمة أهل الباطل فقال سبحانه: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص" "الصف:4" ونهي عن الفرقة فقال تعالي: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" "الانفال:46". ميز الله تعالي المؤمنين بتأليف القلوب وجعل ذلك ميزة لهم دون غيرهم فقال تعالي: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" "آل عمران: 103" وقال أيضا: "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" "الانفال: 63. 64". ولأن تأليف القلوب ميزة خصها الله تعالي بالمؤمنين. وصف الله تعالي اليهود بأن قلوبهم متفرقة فقال: "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قري محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" "الحشر: 14". توجد في السنة والسيرة النبوية من الأقوال والمواقف التي تبث روح الوحدة وتنبذ الاختلاف والتنازع. مثل قوله صلي الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الاعضاء بالحمي والسهر" وقوله صلي الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا". تحث تشريعات الإسلام تحث علي مراعاة مشاعر المؤمنين لبعضهم البعض. كما ان المبدأ الإسلامي قرر انه: "لا ضرر ولا ضرار".. فكل ما يؤذي أخاك المسلم أو يجعل فجوة بينك وبينه. نهي عنه النبي - صلي الله عليه وسلم - وأمر بتفاديه في وصاياه للمؤمنين كاستخدام السواك عند الصلاة وعدم أكل الثوم والبصل في حال دخول المسجد وغير ذلك من المكروهات التي تؤدي إلي التنافر والاشمئزاز. أحذر من خطورة الفرقة لأن الرسول - صلي الله عليه وسلم - قد جعل الفرقة التي تؤدي إلي التنازع والقتال كفراً فقال - صلي الله عليه وسلم - "ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". وأذكر هنا قصة "شاس بن قيس" ذلك اليهودي الحاقد علي النبي - صلي الله عليه وسلم - والذي أوقع الفتنة بين الأوس والخزرج في المدينة وكانت تقوم الحرب بينهما لولا أن ذكرهم النبي صلي الله عليه وسلم بنعمة الله تعالي عليهم بوحدة صفهم وتأليف قلوبهم فرجعوا عما أرادوه من حرب واقتتال وأنزل الله تعالي في هذه الحادثة: "يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين" "آل عمران: 100" ويضع القرآن الكريم العلاج وهو يتعجب: "وكيف تكفرون وأنتم تتلي عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلي صراط مستقيم" "آل عمران: 101" الكفر المراد في الآية والحديث ليس كفر ملة وإنما هو كفر بنعمة الأخوة فالشقاق والخلاف بين المؤمنين حتي إن وصل إلي حد الاقتتال لا يسلبهم الإيمان يقول الله تعالي: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين" "الحجرات:9".