* يسأل أيمن محمد كمال من الزقازيق: يقول بعض الناس: إذا لم تقم الحكومة بتطبيق عقوبة الحدود علي الزنا والسرقة وشرب الخمر جاز للأفراد أن يقوموا بذلك تطبيقاً لواجب تغيير المنكر باليد. فما رأي الدين في ذلك؟ ** يجيب الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الأسبق: الحدود عقوبات شديدة قاسية شرعت لحكمة وهي الزجر إلي جانب ما فيها من مغفرة. كما شرع تعريض النفس للقتل في الجهاد في سبيل الله لضرورته لرد العدوان والأمن علي الحقوق. قال تعالي: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" البقرة: 216 وقال: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" البقرة: 251 ولما كانت الحدود شديدة كان لابد من الاستيثاق من الجريمة التي استوجبتها. فلا تثبت إلا بالإقرار الصريح الاختياري أو شهادة العدول الذين قد يصلون إلي أربعة كما في حد الزنا. وإذا وجدت شبهة في الجريمة فلا يقام الحد. ويمكن اللجوء إلي التعزير. وهو دونه لا يصل إليه ولا يتجاوزه عند جمهور الفقهاء. جاء في الحديث: "ادرءوا الحدود بالشبهات" مع الاختلاف في رفعه ووقفه وضعفه وقوته "نيل الأوطار ج 7 ص 110" وحدث أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتوثق ممن أقر بالجريمة ليكون الإقرار صريحاً ونصِّا فيها. ولأجل خطورة الحدود. إلي جانب أهميتها في استقرار الأمن والحث علي إقامتها وعدم التهاون فيها. وجب علي ولي الأمر أن يتولي تنفيذها. وولي الأمر يصدق علي من له ولاية خاصة علي الجاني كالوالد مع أولاده. والزوج مع زوجته. والسيد مع عبده. كما يصدق علي من له ولاية عامة كالحاكم العام المسئول عن الرعية كلها كما في الحديث "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. الإمام راع ومسئول عن رعيته. والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته.." رواه البخاري ومسلم. هو مسئول عنه. واستندوا في ذلك إلي بعض وقائع حدثت في أيام النبي صلي الله عليه وسلم وفي عهد التشريع. ومن هؤلاء الإمام الشافعي الذي رأي أن للسيد أن يقيم الحد علي مملوكه. بدليل ما رواه مسلم وأحمد أبو داود وغيرهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلي الله عليه وسلم أن أقيم الحد علي خادمة له أخطأت. فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها. فأتيته فأخبرته فقال: " إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد. أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم" وقد يقال: إن المسئول هنا هو النبي صلي الله عليه وسلم. وقد أمر علياً أن ينفذ الحد. لكن عموم قوله: "أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم" يعطي الحق للسيد أن يقيم الحد علي مملوكه. وقد يكون هذا دليلا علي إقامة السيد الحد علي مملوكه فقط. وليس دليلا علي إقامة الحدود عامة. والشوكاني في نيل الأوطار "ج 7 ص 129" ذكر حوادث في جواز اقامة السيد الحد علي مملوكه. ونقل عن الثوري والأوزاعي أن ذلك خاص بحد الزنا دون غيره. وأن الحنفية منعوا السيد من اقامة أي حد علي مملوكه. وجعلوه من اختصاص الحاكم كسائر الحدود. وجاء مثل ذلك في فتح الباري لابن حجر. والخلاصة انه إذا وجد خلاف بين الأئمة في اقامة الحدود بالنسبة للسيد ومملوكه. فإن العلماء يكادون يتفقون علي أن الحدود فيما عدا ذلك هي من اختصاص الحاكم. بناء علي أقوال لبعض الصحابة وليس علي نصوص من القرآن والسنة. كقول أبي عبدالله أحد الصحابة: الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلي السلطان. وهو ما ينبغي أن يؤخذ به حتي لا تكون هناك فوضي في تطبيق الحدود التي أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بدرئها بالشبهات. وفي ميدان التعزير متسع لاختلاف وجهات النظر ومراعاة الظروف. وننصح من يتورطون في جريمة عقوبتها الحد أو غيره. وبخاصة ما ليس فيها حق للعباد أن يستروا أنفسهم فلا يبيحوا بها. ولا يطلب أحد أن يقام عليه الحد لتكفير خطئه. فالتوبة النصوح أحسن وسيلة. وأوقع في عدم الوصمة للفرد والمجتمع بالانحراف. يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. فإن أبدي لنا صفحته أقمنا عليه الحد" رواه مالك في الموطأ ويقول في مبايعته لأصحابه علي عدم الشرك والزنا والسرقة والقتل: "ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلي الله. إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" رواه البخاري ومسلم. كما ينبغي لمن لم يتورطوا في الجرائم أن يستروا علي من أخطأوا بعد قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة. فقد قال الرسول لرجل من أسلم اسمه هزَّال جاء يشكو رجلاً بالزنا "لو سترته بردائك كان خيرا لك" رواه أبو داود والنسائي. وقال: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة. ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتي يفضحه في بيته" رواه ابن ماجه . ومن الستر ألا يبادر بالشهادة عليه عند الاتهام. ما لم يُدْع إليها فتجب. ومحل الستر إذا لم يكن المخطيء مستهتراً متعوداً. وإلا كان مساعدة علي المنكر وهو ممنوع.