يقول الله تعالي في كتابه الكريم: "وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون" "الأنبياء : 30" ويقول المفسرون في شأن هذه الأية أن الماء سبب حياة كل شئ حي في الأرض وقد وردت كلمة الماء في القرآن 63 مرة ارتبطت كلها بمعني الحياة ولما كان للماء هذه الأهمية القصوي فقد نبه الله سبحانه وتعالي عباده علي أهمية إدراك قيمة الماء لأن عجلة الحياة تتوقف تماماً إذا نضب الماء أو ندر ولعل هذا ما جعل الشارع الحكيم يضع الكثير من النصوص الشرعية التي تدعو وتحث علي المحافظة علي موارد المياه وحماية الماء من كل العوامل التي تسبب فساده وتلوثه. ولكن للأسف الشديد فإن الأرقام والإحصاءات تؤكد أن الإنسان لم يراع نعمة الله في الماء لدرجة أن منظمة الفاو العالمية أكدت في تقرير لها أن العالم يحتاج خلال العقدين القادمين نسبة إضافية من المياه تقدر ب 17% من الموجود حالياً وأن ما يقرب من 23% من سكان العالم لن يجدوا الكميات الكافية من المياه بحلول .....2020 "عقيدتي" فتحت ملف الإسراف في المياه ورصدت آراء الخبراء ورجال الدين في كيفية مواجهة تلك الظاهرة.. التفاصيل في السطور التالية: آراء المواطنين * بداية رصدنا آراء عدد من الأسر تقول نرمين محمود ربة بيت: الماء السايب يعلم الإهدار وطالما هناك مشكلة فلابد من تركيب عداد مياه لكل شقة وتعيين موظفين مختصين لقراءته مثل عداد الكهرباء حتي تدفع كل أسرة استهلاكها الفعلي. * يقول مصطفي عبدالحميد صاحب محل عصير: المياه في الحنفية نستخدمها في الرش أمام المحل للحد من التراب فإما رصف الطرق واما نستخدم الماء فلا بديل. * ويتساءل عرفة حسين عامل: لماذا التضييق علي الفقراء في حين نجد الأغنياء يسرفون في استخدام المياه بشكل مبالغ فيه في حمامات السباحة وفي زراعة وري الحديقة بالفيلا فهل حلال عليهم حرام علينا؟ * تقول أميرة عاصم ربة بيت: يجب التعامل بحسم مع هذه القضية من خلال تركيب العدادات وخفض سعرها لتتمكن جميع الاسر من تركيبها أما قطع المياه مثل الكهرباء فليس حلا لهذه المشكلة. تقول مني أحمد موظفة: سهولة وصول المياه إلي أيدينا ورخص أسعارها جعل غالبية الأسر تتعامل مع المياه بشكل عبثي بدءاً من فتح الحنفية في المنازل والشوارع والمساجد عمال علي بطال. من جهتها تري الدكتورة نادية حليم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن مشكلة عدم الترشيد في استخدام المياه هي مشكلة قديمة في مصر فهناك مناطق تعاني من نقص حاد في المياه وهناك أحياء كثيرة تعتمد علي صنبور عمومي وفي مناطق أخري ترش الشوارع والحدائق بمياه الشرب وهو ما يحدث أمام بيتي وطالبنا بعمل بير لهذا الغرض لكن لا أحد يسمع بل أن الكثير من أهالي القري يلقون المخلفات علي حافة النهر والترع وقالوا: إما نلقيها هكذا أو نأكلها لعدم وجود صناديق لتجميع القمامة. وتحذر من أن مصر تسير من سيئ إلي اسوأ بعد أن فقدنا شكل الدولة والقانون الذي كنا نحترمه بعض الشئ لذلك مطلوب دولة لها شكل ومؤسسات وقانون مع ضرورة توفير بدائل لغسيل السيارات ورش الحدائق والشوارع واستخدام العدادات ومتابعتها بانتظام حتي نستطيع ان نحاسب بعد ذلك. بلا ثمن * ويري الدكتور رشاد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان أن المياه في مصر ليس لها ثمن خاصة مع غياب التوعية التي أن وجدت تكون هشة وليس لها قيمة ولا توضح أضرار إهدار المياه علي مستقبل الأجيال القادمة. أضاف: لأن المياه قضية وطنية لذلك لابد من فرض غرامات فورية عند الاهدار أسوة بغرامات المرور كذا تنظم حملات قومية يقوم بها خبراء متخصصون علي كافة المستويات في المدارس والجامعات ووسائل الاعلام ودور العبادة وتطبيق ثقافة العداد التي توفر نصف الكمية. استنزاف مائي الدكتورة فاطمة أبواليزيد مدرسة تربية الطفل بجامعة عين شمس ترصد مظاهر الاسراف فتقول: يتعرض الماء في منازلنا عند استنزافه في غسيل الصحون والاستحمام والحلاقة وغسيل الاسنان وتنطيف المنزل ويتم إهدار كميات كثيرة من المياه دون وعي مؤكدة ضرورة تغيير سلوكياتنا وعاداتنا ولنبدأ بداخل المنزل وذلك من خلال التوعية الاسرية وتقديم النموذج والقدوة الجيدة من قبل الراشدين والوالدين وان يتمثل ذلك في السلوكيات وليس الكلام فقط. أما التوعية داخل المدارس فيمكن ان تتم عن طريق اخبار الصباح والندوات المدرسية واللوحات الإرشادية التي تحث علي ترشيد الاستهلاك في كل مكان. الإنتاج باهظ يشير الدكتور مجدي الشرقاوي - رئيس جمعية البيئة العربية وخبير مياه الي ان مشكلة المياه تتمثل في انتاج 26 مليون متر مكعب يومياً تتراوح تكلفة إنتاج لتر ماء الشرب بين 50 الي 150 قرشاً حسب نوعية المياه والمكان اي في المتوسط يتكلف إنتاج اللتر جنيها اي ان الدولة تنفق يوميا 26 مليون جنيه علي مياه الشرب يكون نصيب الفرد فيها 300 لتر يومياً اي ان الدولة تتكلف 300 جنيه لكل فرد يومياً وهي تكلفة مرتفعة جداً خاصة ان الفرد يحتاج من 2 الي 4 لترات مياه يوميا بمتوسط 8 أكواب ماء شرب بخلاف الاستحمام والطهي وقد يصل الإجمالي الي 100 لتر فقط أما الاستهلاك الحالي فهو مبالغ فيه جداً. مصادر المياه وفي معرض الحديث عن موقف مصر المائي لابد ان نشير إلي مصادر مياه الشرب في مصر كما اوضحها الدكتور حمدي العوضي استاذ العلوم البيئية وخبير معالجة المياه والصرف الصحي والصناعي بالمركز القومي للبحوث. فالمصدر الرئيسي للمياه هو نهر النيل وتصل حصة مصر السنوية من المياه الي 5.55 مليار لكن الواقع يأتي أكثر من ذلك خاصة في بعض السنوات التي يزداد فيها هطول الأمطار في منابع النيل فقد تم رصد كميات مياه تزيد علي 5.64 مليار يضيع منها جزء في البخر والتسربات المائية في المياه الجوفية. والمصدر الثاني: المياه الجوفية نتيجة إعادة شحن المياه الجوفية من نهر النيل وهناك منابع للمياه الجوفية يعاد شحنها من الأمطار خاصة في المناطق البعيدة عن مجري نهر النيل قرب السواحل في المناطق الشمالية للبلاد. مصادر غير تقليدية من ناحية أخري يشير د.حمدي العوضي الي وجود مصادر غير تقليدية لمياه الشرب والزراعة أهمها المياه الجوفية وهي تمثل المصدر الرئيسي لبعض القري والمناطق النائية التي لا تصلها مياه نهر النيل أو أحد فروعه حيث تكون نسب الحديد والمنجنيز في هذه الآبار إما في حدود المسموح بها أو تزيد علي الحدود الواردة في القانون وفي حالة زيادة نسب الحديد والمنجنيز تم إنشاء محطات لإذابة هذين العنصرين لكي تكون صالحة لأغراض الشرب والاستخدامات الآدمية وقد تم تنفيذ المئات من هذه المحطات في ربوع البلاد. ويؤكد د. احمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر ان المحافظة علي المياه من الاسراف امانة شرعية تدخل في عموم قول الله : " ان الله تعالي يأمركم ان تؤدوا الامانات إلي أهلها". فالانسان مستخلف في الأرض وليس مالكاً لها ولمواردها وبالتالي فالإنسان مسئول امام الله تعالي عن المحافظة عليها وعلي مواردها وعدم إفسادها والإخلال بها. التوسط والاعتدال يري الدكتور اسامة القوصي الداعية السلفي ان التوسط والاعتدال سمة من سمات الاديان السماوية عامة خاصة الاسلام لقوله تعالي "وكذلك جعلناكم امة وسطا" فالوسطية عنوان الدين فلا اسراف ولاتفريط حتي في العبادة وفي الملبس لقوله تعالي" وكلوا واشربوا ولاتسرفوا انه لايحب المسرفين". وقد حثنا رسول الله علي عدم الاسراف في استخدام الماء لقوله: لا تسرف ولو كنت علي نهر جاري" فكان الرسول "صلي الله عليه وسلم" يتوضا بالمد و يغتسل بالصاع والمد يعادل نصف لتر ماء فكان يتوضأ بها وكان يغتسل بالصاع وهو يعادل لتر ماء. واضاف ان القرآن الكريم طالبنا بالمحافظة علي الماء كما وكيفا واعتبر ان تلويث المياه في البحار والانهار والمحيطات والتربة والهواء وتلويث الطعام باستخدام الاسمدة الكيماوية ومياه الصرف لزراعة الاكل وما يعقبها من امراض مزمنة تهلك صحة الانسان هي من اعظم انواع الفساد في الارض والله يأمرنا ان نراجع انفسنا في قوله تعالي: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". وقد وصف القرآن المبذرين في قوله تعالي :" ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين". وقوله تعالي : " انه لا يحب المسرفين". ويري ان الاهدار هو كفر بالنعمة فيه وعيد شديد قالي تعالي : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون". اكد د. أسامة القوصي علي ضرورة تنظيم حملات توعية لتوضيح عظيم نعمة الله في وجود الماء من خلال رجال الدين والمعلمين ووسائل الاعلام والمجتمع المدني بالحفاظ علي البيئة عموماً والماء خصوصا وعلينا شكر النعمة لقولة تعالي : " لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد" ومن شكر النعم المحافظة عليها وعدم اهدارها وعدم وضعها في غير موضعها. * وفي مجال الصناعة: يمكن استبدال طرق التبريد المفتوحة بدوائر تبريد مغلقة. * فصل المخلفات السائلة ذات الاحمال والملوثات البينية العالية ومعالجتها منفصلة. * يمكن اعادة استخدام المياه المعالجة في أغراض تنظيف الأرضيات وري الأشجار في المصانع.