حذر الخبراء والمتخصصون من انتشار المقاهي بشكل غير مسبوق في المجتمع المصري "معتبرينها" آفة من آفات المجتمع وقنبلة موقوتة تحمل بين طياتها أسباب تدمير الشباب والقضاء عليه نفسيا وأخلاقيا واجتماعيا مطالبين بضرورة تشديد الرقابة علي هذه المقاهي لحماية أبنائنا وشبابنا عماد الأمة. بداية تقول الدكتورة إيميل حنا -أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس- : لا أبرر جلوس الشباب علي المقاهي والكافتيريا أو ألتمس لهم عذراً لكن هناك سبباً لجلوسه عليها وهو عدم وجود فرص عمل. فقديماً كان الشاب يتخرج في الجامعة ويجد عملا مناسبا يستطيع من خلاله الزواج وتكوين أسرة. أما اليوم فيتخرج الشاب ولا يجد عملا مناسباً فيلجأ للجلوس علي المقهي ليضيع وقته. وهذه بداية انحرافه. وما شجع الكثيرين علي استثمار أموالهم في إنشاء المقاهي لأن الشباب يبحث عنهه أينما وجدت كما أنها تدر دخلا غير محدود ولا توجد رقابة عليها ولا ضوابط لإنشائها. أضافت: لقد انقلبت الأوضات رأساً علي عقب وتبدلت الأحوال. ففي الماضي كانت المقاهي لأصحاب المعاشات ولا تجد شاباً عليها. أما اليوم فنراها تكتظ بالشباب العاطل. أشارت إلي أن التغير الذي طرأ علي العلاقات الاجتماعية وظروف البلد جعلت المقهي هو الملاذ الوحيد للشباب فلا يوجد بيت يستوعب أبناءه وأصحابهم لذا أصبح المقهي هي الحل ليتقابل كل إنسان مع أصحابه. أوضحت أنه من الأمور غير المستحبة بل والمرفوضة من الجميع هي تواجد هذه المقاهي وسط أماكن السكن بشكل أزعج الجميع وقيد حريتهم. وفي نفس الاطار رأينا أشكالاً متنوعة ومتعددة من الكافتيريا. فظهرت كافتيريا للعائلات. وأخري للبنات وثالثة للشباب فقط. ورابعة للمختلط. ولن نستطيع تغيير هذا الوضع إلا بتغيير الواقع الذي فرضها» ففي اليوم الذي نوفر فيه فرص عمل للشباب ستختفي هذه المقاهي تماما. قنبلة موقوتة يوافقها الرأي الدكتور جمال النجار -أستاذ الاعلام بجامعة الأزهر- قائلاً انتشار هذه المقاهي دليل علي فشل الحكومة وعدم استطاعتها توفير فرص عمل للشباب. فهذا الشباب الجالس علي المقاهي بمثابة قنبلة موقوتة في المجتمع المصري قد تنفجر في أي وقت. فمعظم من يقوم بعمليات التخريب والتدمير والحرق والسلب والنهب من هؤلاء المتنطعين القابعين علي المقاهي الذين يسهل شراؤهم بأي مبلغ من المال ليفعلوا أي شيء.. ناهيك عن كون هذه المقاهي تعد بؤراً لتعاطي المخدرات بكل أشكالها وأنواعها ومشاهدة الأفلام المخلة التي تعصف بأخلاق أبنائنا وتدمرها وتكون السبب في عمليات التحرش والاغتصاب التي تقع كل يوم.. فهذه المقاهي تعد بحق آفة المجتمع المصري. وهي مشكلة الدولة التي عجزت عن استقطاب الشباب وتوفير فرص عمل له وإنقاذه من هذه البؤر الفاسدة لكن ماذا تفعل الحكومة؟.. لا تهتم سوي بالاستيلاء علي المؤسسات والسيطرة الكاملة علي مفاصل الدولة واغلاق ا لمصانع التي كانت تستوعب عددا من هؤلاء الشباب الذي بداخله طاقات كامنة يريد تفجيرها؟؟ أضاف: للأسف الشديد كنا نظن "الإخوان" يحبون هذا الوطن ويسعون لإصلاح ما أفسده نظام مبارك.. لكن كشفوا عن وجههم الحقيقي وسعيهم لتحقيق مصالحهم والضرب بآلام وأوجاع هذا الوطن عرض الحائط. أشار إلي ضرورة تشديد الرقابة علي هذه المقاهي لما تقوم به من أعمال مخلة بالآداب ومنافية لتقاليد المجتمع. ومناشدا كل مؤسسات الدولة ابتداءً بالمدرسة والنادي ومراكز الشباب. وانتهاءً بوزارة الأوقاف والكنيسة لتقويم شبابنا وتهذيب أخلاقه وتلقينه دروسا لتكونبمثابة حائط الصد له في مواجهة هذه الأماكن الموبوءة. دور سلبي وحمَّلت الدكتورة مني عبدالجليل -المدرس بقسم الاعلام بكلية الدراسات الإسلامية والعربية ببنات الأزهر- وسائل الاعلام بشتي أشكالها وأنواعها مسئولية تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المصري مؤكدة أن للاعلام دوراً سلبياً في انتشار هذه الآفة وجعلها شيء جذاب وطبيعي لأي شخص. ففي المسلسلات والأفلام يظهر البطل أو البطلة داخل المقهي ممسكان للشيشة بطريقة مشوّقة وتوحي باللذة والنشوة ومدي الاستمتاع والسعادة مما يعطي تأثيراً إيجابياً علي المشاهد وتغذي الفكرة في العقل الباطن للمتفرج. أضافت: إننا نحتاج لحملة توعية كبيرة يشرف عليها متخصصون في مجال التسويق الاجتماعي تتناقلها وسائل الاعلام كافة للتحذير من انتشار هذه المقاهي في المجتمع وتوضيح أضرارها الصحية والنفسية علي الششباب. استطرد: من الأمور المفلتة للنظر في الآونة الأخيرة هو انتقال هذه المقاهي من الأماكن الشعبية إلي الراقية واقتحام البنات هذا العالم الغريب بل وظهور مقاهي خاصة للبنات فقط. وهذا يعد تطوراً خطيراً علي المجتمع المصري فبعد أن كان اختلاط البنات بالبنين في الجلوس بالجامعات مشداً ينتقده الكثيرين. علي الرغم من وجود مبررات له. وانه يتم جهارا نهارا بسبب العلم -مثلاً- نجد الآن الكثير من البنات تشارك الشباب السهر حتي الصباح في المقاهي وسط الدخان والضباب والضحكات المتعالية تتناقل الشيش من فم إلي آخر دون خجل أو شعور بعمل مشين؟؟ ونتج عن تل الظاهرة ملمح آخر غريب عن المجتمع المصري. ففي الصباح حيث كان من المعتاد أن تكون تلك المقاهي مغلقة أو فارغة نجدها الآن تجذب فئة أخري من الزبائن وهم طلاب المدارس من المراحل المختلفة حيث يتركون مدارسهم ويقضون وقت الدراسة بالمقهي في لعب الكوتشينة أو "البلياردو" أو باقي الألعاب أو مشاهدة التلفاز والفيديو دون التطرق إلي نوعية الأفلام والقيم التي تهدمها خاصة مع غياب الرقابة علي تلك المقاهي هذه الأيام. سبيل الإصلاح وعن الحكم الشرعي للقضية تقول الدكتورة سلوي يونس -أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر-: إذا أردنا الاصلاح والقضاء علي هذه الظاهرة التي أصبحت بحق آفة المجتمع المصري لابد أن يعود الجميع إلي دينه ويصلح كل إنسان نفسه ليستقيم المجتمع ويعود لطبيعته النقية.. فانتشار المقاهي في أنحاء المجتمع المصري يصيبني بالإحباط واليأس لأنها تضيع الوقت الذي سيحاسبنا عليه الله عز وجل يوم القيامة. فالوقت ثمين ولابد أن نحافظ عليه ونستغله في كل ما هو مفيد.. ناهيك عن إهدار قيمة الوقت فهي تضيع العقل لما يحدث بها من هرج وكلام أقل ما يقال عنه أنه فارغ. أضافت ليس هناك شك أن الدخل العائد من هذه المقاهي علي صاحبها به شبهة حرام وياليت كل صاحب مقهي ينتبه جيدا لذلك ويبحث عن عمل آخر شريف نافع ومفيد له ولمن حوله. العبرة بالموجود يقول الدكتور عبدالله عبدالفتاح بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر: المقاهي باعتبارها المكان ليس فيه حرمة و كذا الجلوس عليها. ليس فيه حرمة أيضاً. لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد بنص بتحريم. وإنما الحرمة تأتي باعتبار ما يُدار في المكان من حرمة. أو ما يتناول في هذا المكان من محرمات كأكل المحرمات مثل "الخنزير" أو شرب المحرمات مثل الخمر.. إلخ. وعلي هذا. فإذا كانت المقاهي مكانا لشرب الشاي أو القهوة.. إلخ من المشروبات الحلال» فلا بأس من الجلوس عليها. وإذا كانت مكاناً للتعارف بين الناس. خاصة المغتربين في أي قُطر من الأقطار. وللتعرف أيضاً علي مشاكل هؤلاء المغتربين. والعمل علي حلها. أو التعرف علي مشاكل البلاد فلا بأس أيضاً في الجلوس عليها لذا كانت المقاهي في بداية القرن موقعا مفضلاً للعامة والتجار والمارين بالقاهرة علي سبيل الترانزيت ثم مع بداية مواجهة الاحتلال كان صوت جمال الدين الأفغاني لا ينقطع عن التنوير داخل مقهي بوسط ميدان العتبة كما كانت معظم الاستعدادات لمظاهرات ثورة 0909 تنطلق من المقاهي. أما إذا كانت المقاهي مكاناً لشرب المواد المخدرة كالخمر أو تعاطيها وذلك عن طريق الشم أو الحقن وخلافه» خاصة بين الشباب أو إذا كانت المقاهي مكاناً للعب بعض الألعاب المحرمة والتي تنهي عن ذكر الله كالميسر أو الألعاب الحديثة مثل الكوتشينة.. إلخ. فيكون الجلوس عليها محرماً. وذلك بنص حديث النبي صلي الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فلا يجلس علي مائدة تدار عليها الخمر" "رواه الترمذي". ويكون الجلوس حرماً أيضاً في المقاهي التي فيها شرب للخمر ولعب المحرم حتي وإن كان يشرب أو يلعب الجالس. وعندما سئل فضيلة الدكتور القرضاوي عن ذلك فأجاب فضيلته قائلاً: إن المؤمن أُمر أن يُقاطع مجالس الخمر. ومجالسة شاربيها. إن المسلم مأمور أن يغير المنكر إذا رآه. فإذا لم يستطع أن يزيله. فليزل هو عنه. وليناً عن موطنه وأهله. ومما روي عن الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز أنه كان يجلد شاربي الخمر ومن شهد مجالسهم. وإن لم يشرب معهم. ورووا أنه رفع إليه قوم شربوا الخمر. فأمر بجلدهم. فقيل له: إن فيهم فلانا. وقد كان صائماً. فقال: به ابدءوا. فعلي المسلم أن ينأي بنفسه أن يجلس في مجلس يدار فيه الخمر إلا لو اضطر لذلك وكان هدفه أكبر من المضرة التي تحدث جاز له ذلك من باب الضرورة الجلوس في جلسة خمر بدون الشرب.