الاستعمار الاستيطاني هو أخطر وأقسي ألوان الاستعمار.. فالاستعمار العادي الذي مارسته كثير من الامبراطوريات الاستعمارية قديماً وحديثاً يحتل الأرض لينهب خيراتها. وليجعلها قاعدة لأمن "المركز" الذي جاءت منه جيوشه. وليستغل شعوب البلاد المحتلة. أما الاستعمار الاستيطاني فإنه يستولي علي الأرض من أهلها. ثم لايكتفي باستغلال السكان وإنما يقتلعهم من أرضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير. فهو يحول البلاد التي يستعمرها إلي "أرض بلا شعب" ليجعلها أرضاً خالصة له من دون أهلها!! لعل أقدم ألوان الاستعمار الاستيطاني الذي اتخذ سياسة الإبادة للسكان. والحلول محلهم في أرضهم وديارهم. هو الاستعمار العبراني لبعض المناطق في أرض كنعان "فلسطين".. ولعل أقدم النصوص التي تحكي صنيع هذا الاستعمار الاستيطاني العبراني هي تلك التي كتبها اليهود في أسفار العهد القديم. وزعموا أنها أوامر إلي بني إسرائيل. والتي ترسم لهم خطة الإبادة لأهل كنعان واستعمار مدنهم وأرضهم استعمارا "استيطانا"! فلقد جاء في سفر "العدد" إصحاح "33:50-53-55-56" "وكلم الرب موسي في عربات موآب علي أردن اريحا قائلاً "كلم إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون للأردن إلي أرض كنعان. فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم. تملكون الأرض وتسكنون فيها. وان لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا في أعينكم ومناخس في جوانبكم. ويضايقونكم في الأرض التي أنتم ساكنون فيها. فيكون أني أفعل بكم كما هممت ان افعل بهم" وفي سفر "التثنية" إصحاح "7:1-3-6-7-14-16" "لايقنع إله بني إسرائيل "بطرد" سكان البلاد التي يستولي عليها العبرانيون. وإنما يطلب منهم أكل هولاء السكان وهذه الشعوب!!.. فيقول هذا "الرب" لإسرائيل سبعة شعوب دفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرمهم "تبيدهم". لا تقطع لهم عهداً ولاتشفق عليهم ولاتصاهرهم.. لأنك انت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب التي علي وجه الأرض.. مباركاً تكون فوق جميع الشعوب.. وتأكل كل الشعوب الذين الرب إلهك يدفع إليك. لاتشفق عيناك عليهم"!! وحتي المدن التي يصالح أهلها هؤلاء الغزاة العبرانيون. يأمر ربهم بتحويل السكان الذين صالحوا إلي "عبيد للسخرية". أما إذا حارب السكان دفاعاً عن أرضهم ومدنهم. فإن ابادتهم هي "الحكم الإلهي".. بل ان هذا الحكم الإلهي واجب التنفيذ إذا صدر "قول" - مجرد قول - من هؤلاء الضحايا المساكين: "ان سمعت عن إحدي مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولا فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف. وتحرمها "تدمرها وتهلكها" بكل ما فيها.. تجمع كل أمتعتها إلي وسط ساحتها وتحرق بالنار فتكون تلاً إلي الأبد لا تبني بعد.. وحين تقترب من مدينة كي تحاربها استدعها إلي الصلح. فإن أجابتك إلي الصلح وفتحت لك. فكل الشعب موجود فيها يكون لك للتسخير. ويستعبد لك. وان لم تسالمك. بل عملت لك حربا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلي يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. أما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك.. هكذا تفعل جميع المدن. فلا تستبق منها نسمة ما"!! "سفر التثنية" إصحاح "13:12 .15 .17". وإصحاح "20:10-16". تلك هي "وثائق" الاستعمار الاستيطاني الذي مارسه اليهود العبرانيون قديما علي أرض كنعان "فلسطين". وهي ذات الممارسات التي يمارسها الصهاينة في استعمارهم الاستيطاني الحديث والمعاصر لأرض فلسطين. بل إنهات ذات الممارسات التي مارسها البروتستانت الأمريكيون مع الهنود الحمر في أمريكا.. ومع سكان أستراليا ونيوزيلندا الأصليين.. والتي مارسها الكاثوليك الأسبان مع سكان أمريكا الجنوبية الأصليين!! فهل نتعلم الوعي بتاريخ "لصنع التاريخ"؟!