أصحاب الدعوة قوم يبحثون عن أرض صحراء يزرعونها. وأصحاب الدعاوي يبحثون عن أرض خضراء يأكلونها. أصحاب الدعوة قوم فُطروا علي حب الله تعالي كما قال سبحانه: ¢ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ¢ "البقرة: 165" وجبلوا علي حب الخير للناس لقوله صلي الله عليه وسلم ¢ خير الناس أنفعهم للناس¢ "من حديث جابر بن عبدالله. حسنه الألباني". وأصحاب الدعاوي قست قلوبهم من شدة الغفلة عن ذكر الله لقوله تعالي: ¢ فَوَيْلى لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ¢ "الزمر: 22" وامتلأت قلوبهم حقدا علي الناس كما قال تعالي: ¢وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ¢ "آل عمران: 122". أصحاب الدعوة يبحثون عن طرائق يفتحون بها الأبواب للتوبة والأوبة إلي الله تعالي كما قال صلي الله عليه وسلم: ¢ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا. فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها. وهو يذهبهن عنها. وأنا آخذ بحجزكم عن النار. وأنتم تفلتون من يدي ¢ "رواه مسلم من حديث جابر بن عبدالله". وأصحاب الدعاوي قوم يبحثون عن تهم كاذبة يلصقونها بعباد الله عز وجل يلطخون بها سيرة الشرفاء وينالون بها من أعراض الأطهار كما فعل عبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين مع عائشة رضي الله عنها حيث أخذ بداية قصة حقيقية وهي أنها تخلفت عن الركب في الغزوة وكانت تبحث عن عقدها فرآها الصحابي الطاهر الجليل صفوان بن المعطل السلمي فساعدها علي اللحاق بالركب. لكن رأس المنافقين ومن معه هو الذي حوَّر القصة إلي علاقة آثمة. وتولي إذاعتها قوم يرددون ما يقوله المنافقون الأدعياء الكاذبون فانتشر الخبر في كل مكان بدون فيس بوك أو تويتر أو انترنت أو فضائيات وصار الهمس كله عن عائشة وعلاقتها الآثمة. وعن بيت النبوة ومافيه من خلل. وصار الصالحون حياري بين مردد لما يقال أومتردد ومن يلغو في أعراض الأطهار الأبرار من الصحابة وآل بيته الطاهرات العفيفات. ووصل الأمر بالنبي صلي الله عليه وسلم أن ذهب يستفهم من السيدة عائشة: إن كنت قد قارفت إثما فأخبريني لعلي أستغفر الله لك. فقالت: فبكيت حتي ظننت أن كبدي سينفلق. وهنا لم تجد حيلة عند البشر جميعا إلا باب السماء. والتضرع لرب العزة. والتبتل بالليل والنهار. وخرجت إلي بيت أهلها. ولنا أن نتصور الأيام والليالي التي لايشبه نهارها إلا ليلها. فوجاهة أبي بكر وصحبته للنبي صلي الله عليه وسلم تعرضت لدعاوي عريضة في العرض لا المال والشاعر يقول: أصون عرضي بمالي لا أدنسه لابارك الله بعد العرض بالمال المال إن أودي أحتال فأجمعه ولست للعرض إن أودي بمحتال وطالت الدعاوي أياما طويلة والجولة الإعلامية كلها للمنافقين. وأصحاب الدعوة في وضع لا يحسدون عليه. لكن دعوات السحر. وأنّات الفجر. وآهات المتبتلين. ودعوات المقربين أحالت الليل البهيم إلي نهار ذي نسيم عليل. وجاءت البراءة من السماء بآيات تتلي إلي يوم القيامة لأصحاب الدعوة الأنقياء الأتقياء بيت النبوة وصاحبه في الغار. ورفيقه في النوائب. وساعده في المصائب. سيدنا أبو بكر الصديق. وقالت عائشة: لشأني عند نفسي أقل من أن ينزل الله فيَّ قرآنا يتلي إلي يوم القيامة. لكن القرآن نزل. وصار حجة قاطعة علي كفر من يتهم بيت النبوة وصاحبه أبا بكر بسوء إلي يوم القيامة. ولم يصدر بيان من بيت النبوة يبين قبل نزول الوحي مدي الكذب والافتراء ونذالة وخسة الادعاء. بل كان الشغل الشاغل هو الدعوة وكسب الأنصار والحواريين لدعوة الله تعالي يقينا من قوله تعالي: ¢إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّاني كَفُوري. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرى¢ "الحج: 38-39" أفبعد هذا يجزع أصحاب الدعوة من أصحاب الادعاء؟! أيظن أصحاب الدعوة إلي الله وهم يحملون قلبا مفعما بحب الله تعالي أن الله تاركهم لأعدائهم ينهشون في لحومهم وأعراضهم؟! ألم يقل الله تعالي: ¢أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافي عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادي¢ "الزمر:36". ألم يُتّهم سيدنا يوسف ظلما وعدوانا بالاعتداء علي امرأة العزيز؟ وقد عرف القصر من داخله أن المرأة هي المتهَمة. ومع ذلك غلب أصحاب الادعاء علي أصحاب الدعوة فكان القرار: ¢ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّي حِيني¢ "يوسف: 35" ولم يتكوَّم سيدنا يوسف حول مظلمته ويقاطع من حوله. لأنهم أبناء مجتمع ليس فيه من خير فقد قرروا إدخال العفيف النظيف الشريف السجن. وبقي الظالم حرا طليقا يفعل مايشاء ويفخر بسلطانه وصولجانه. ويباهي بماله وهيلمانه. ونسي قوله تعالي : ¢أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ. لِيَوْمي عَظِيمي؟¢ "المطففين: 4-5" وقوله تعالي عن استغاثة أصحاب الادعاء والفسوق والعصيان والظلم والطغيان: ¢يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَي عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ¢ "الحاقة: 25-29" لكن استغاثته المتأخرة إلي الدار الآخرة لم تغن عنه شيئا بل يأتيه الجواب: ¢خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةي ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ¢ "الحاقة: 30-32". علي كلي عاش صاحب الدعوة سيدنا يوسف يحسن إلي من حوله حتي شهد له صاحباه في السجن: ¢إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ¢ "يوسف: 78". وعندما طلبا تفسير رؤياهما أجابهما. ولما تذرع بخيط من الأرض أن يتوسط لحل مشكلته ورفع الظلم عن نفسه من خلال أحد الصاحبين قدر الله أن يقطع كل العلائق ليتأثر ربنا بالنصر الكامل من عنده كله ¢فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ¢ "يوسف: 42". وقدر الله أن يري الملك الرؤيا وينشغل المجتمع كله بأحلام الملوك و الأمراء لا بمواجع وآلام ومعاناة الغلابة والفقراء. فتذكر الصاحب فذهب إليه فبادر صاحب الدعوة بالإحسان لأصحاب الادعاء. فقدم لهم حلا عمليا لخمسة عشر عاما لمشكلة قادمة. ولم يقل لا أقدم كلمة من الحلول لمشاكل بلدي حتي يرجع أصحاب الدعاوي عن غيهم» لأنه يعامل ربه الذي يحسن لمن أساء ويرزق الظالمين والفاسقين ويستر عليهم» لعلهم يرجعون فإن تمادوا قصم ظهورهم وأذهب سلطانهم وردهم أذلاء بين من استطالوا عليهم. لكن صاحب الدعوة يقدم الخير لبلده رغم ظلم بعض قادتها أو نخبها كما قال الشاعر: بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام وتبوأ يوسف مكانة كبيرة وكان يستطيع صاحب الدعوة أن ينتقم من أصحاب الحيل والمكر والادعاء. لكنه صبر وغفر رغم أنهم بعد عقود من الزمان ظلوا علي غيهم وقالوا عن يوسف كذبا. حقا ماأحوجنا في المحاكمات من أصحاب السلطة والادعاء لأصحاب الدعوة أن نتذكر قصة سيدنا يوسف وعائشة. وكذا في غمرة الانتخابات أن عيار الادعاءات سيتضاعف فهل ننساق فنكون مثلهم أدعياء أم نبقي دوما أصحاب دعوة إلي الله لا توقفنا الدعاوي ونعمل وأخيرا نثق أن الله تعالي يأبي عدله إلا أن ينتقم من أصحاب الدعاوي الفاسدة مهما علوا. ويمكِّن لأصحاب الدعوة الصالحة مع الصبر الجميل والنفس الطويل قال تعالي: ¢وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ¢ "السجدة: 24" فاصبروا واعملوا والخير قادم بإذن الله تعالي.