أمر القرآن الكريم المؤمنين ان يعتصموا بحبل الله جميعا. فقال جل شأنه: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" "آل عمران: 103" وفي دعوة القرآن الكريم لوحدة الامة توضيح للاساس الذي تنهض عليه هذه الوحدة. وهو الدين والاعتصام به وبكتاب الله تعالي الذي هو سبب النجاة. ووضح القرآن هذا الاساس محذرا من التفرقة. لما لها من أخطار محدقة. وذكر سبحانه وتعالي هذه الامة بما كان عليه الاوس والخزرج قديما. حيث استمرت الحروب بينهم مائة وعشرين سنة. حتي جاءالاسلام فأخمدها وجمعهم علي الحق وألف بينهم. وترسيخا لأسس هذ الوحدة كلف الله الامة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتصارا للدين وإقامة لقوته ودفعا لافات الشر والفساد التي قد تثار حول حماه. أو ترتكب في الوطن الاسلامي. وضرب القرآن الكريم المثل بمن قبلنا حين اختلفوا بعد ان جاءتهم البينات فكان لهم الوعيد الشديد. عن تلك الملامح كلها تحدث القرآن الكريم حديثا شافيا. فقال جل شأنه: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرونو بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم "آل عمران:103- 105" كما وضح الرسول صلوات الله وسلامة عليه أن الاعتصام بدين الله وكتابه مما يرضاه الله تعالي لهذه الامة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله يرضي لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا. فيرضي لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال. وكثرة السؤال وإضاعة المال". وقد وضح رب العزة سبحانه في كتابه العزيز ان الدين واحد. وأن الامة واحدة تتفق علي الايمان والتوحيد في العبادة. مشيرا إلي حل بعض الامم حين اختلفوا فتقطعوا قطعا. قال تعالي: "وإن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديه فرحون. فذرهم في غمرتهم حتي حين" "المؤمنون 52-54" وحذر الرسول صلي الله عليه وسلم من الخروج علي الطاعة ومفارقة الجماعة حيث قال صلي الله عليه وسلم: "من خروج علي الطاعة وفارق الجماعة فمات. مات ميتة جاهلية". كما أعلن صلي الله عليه وسلم براءته ممن يخالف الجماعة ويفرق الصفوف ويضرب هذه الامة: برها وفاجرها. ولا يفي لصاحب العهد بعهده. فقال- صلوات الله وسلامة عليه: "من خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها. لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه". ويوضح القرآن الكريم نهاية من يشاقق الرسول وينفصل عن سبيل المؤمنين. فيقول: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيراً" "النساء: 115". وفي الحديث يقول الرسول صلي الله عليه وسلم "يد الله مع الجماعة. ومن شذ شذ في النار". والناظر إلي جميع التعاليم الاسلامية يري انها تدعو إلي التأليف بين القلوب وجمع الصفوف. ففي جانب العقيدة: نؤمن بالله وحده ولاشريك له. ونتجه جميعا إليه معلنين في كل صلاة: "إياك نعبد وإياك نستعين" "الفاتحة: 5". إنها عقيدة التوحيد التي تجمعنا ولا تفرقنا. وفي ظلالها ننضوي تحت رأية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فنؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. حلوه ومره.. وفي جانب العبادات: نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة ونصوم رمضان ونجح البيت إن استطعنا إليه سبيلا. وفي صلاتنا يزداد الاجر والثواب حين يؤدي الانسان صلاته في جماعة فتفضل صلاة الفذ- أي الفرد- بخمس وعشرين درجة. وفي رواية للحديث "بسبع وعشرين درجة" مع ان الصلاة هي الصلاة وعدد الركعات لم يزد ولم يتغير. وفي صلاة الجمعة اجتماع أسبوعي أكبر. وفي صلاة العيدين اجتماع علي مستوي أكبر وأكبر. وفي أداء الزكاة تكافل اجتماعي وتراحم وتواد بين الغني والفقير. وتقريب بين الناس وتوحيد بين المشاعر علي الالفة والتعاون. وفي الصيام غرس لمعاني الوحدة. ففي وقت واحد يمسك المسلمون عن المفطرات. وفي وقت واحد يفطرون. وفيه إحساس بالحرمان والجوع. وحث علي البذل والانفاق. وفي الحج اجتماع كبير لاكبر عدد ممكن من مختلف الاقطار الاسلامية والبلاد. ومن شتي الالوان والاجناس. وفي جانب الاخلاق. يدعو الرسول صلوات الله وسلامه عليه. أمته ان نكون يدا واحدة في المودة والرحمة والعطف. فيقول صلي الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي". ويعمق الاسلام مفهوم الوحدة بأقوي رباط ينبغي ألا ينساه أحد. ذلك هو رباط العقيدة التي يؤمنون فيها بالله ربا. فربهم واحد. وأبوهم- وهو آدم- واحد. إنه رباط وثيق ينتظمون تحت لوائه مهما تباعدت الديار وتناءت الاقطار واختلفت اللغات والالوان. قال صلي الله عليه وسلم: "يا أيها الناس. ألا إن ربكم واحد. وإن اباكم واحد. ألا لا فضل لعربي علي أعجمي. ولا لعجمي علي عربي. ولا لأحمر علي أسود. ولا لأسود علي أحمر- إلا بالتقوي". محاولات الخصوم وينبغي ان ننبه إلي ان اعداد الامة قد زرعوا في طريق وحدتها عقبات. منها العقبات الحسية والعوائق المادية. فقبل ان يخرجوا من بعض البلاد تركوا بعض المواقع لدي الحدود لتظل العلاقات متوترة. ولم يحسموها ابتغاء زرع الخلافات كما نري بعض العقبات المعنوية والفكرية. مثل تيارات الوجودية والشيوعية والماسونية والقاديانية والبهائية. إلي غير ذلك من التيارات المتصارعة التي تعمل علي تفتيت وحدة الامة. بل إن بعض المستشرقين درس علوم الاسلام وتصيد بعض الخلافات اليسيرة ليضخم بها الخلاف وليحدث بها شروخا بين فصائل الشباب المسلم. وكان علي المفكرين والاسلاميين والدعاة والمصلحين. أن يشخصوا الداء وأن يصفوا الدواء. وإذا كان تشخيص الداء يتلخص في هذه التيارات وتبعية البعض لها وانبهار الكثيرين من المسلمين بما كتبته أقلام هؤلاء الحاقدين علي الاسلام. فإننا نري ان الدواء يسير وواضح. انه كما اشار رسول الله صلي الله عليه وسلم "تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي" فكتاب الله تعالي هو سر سعادتنا ووحدتنا وقوتنا ان تمسكنا به واعتصمنا بحبله. فلقد أدرك أحد زعماء الاستعمار هذه الحقيقة فقال: "لا قرار لنا مادام المصحف بأيدي المسلمين. وما دام الازهر في مصر. والكعبة في مكةالمكرمة "وما ذلك إلا لان هذه الوحدة اساسها الذي نبه إليه رب العزة هو حبل الله المتين "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" "آل عمران: 103".