إن أمتنا الإسلامية, في أمس الحاجة إلي تأكيد وحدة صفها, وجمع كلمتها, لتستطيع مواجهة التحديات التي تحدق بها من كل اتجاه. وقد أمر الله تعالي المؤمنين أن يوحدوا صفوفهم وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وألا يتفرقوا حيث قال الله سبحانه. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال الله تعالي يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون, فذرهم في غمرتهم حتي حين. ونهي رب العزة سبحانه عن التفرق والتنازع ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين سورة الأنفال(46). لما كان الاختلاف الخطير والمريب يعمل علي فساد الدين والدنيا اعتبره الإسلام كفرا حيث قال الله تعالي: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلي الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون سورة الانعام(159) والناس عندما يختلفون ويتصارعون يرجعون الي خصال الجاهلية في ظلمها وظلامها فيصبحون في خلال من الدين له قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رواه الترمذي. وقد جعل الله تعالي الوعيد الشديد لمن يشق عصا الطاعة ويتبع غير سبيل المؤمنين حيث قال الله تعالي: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا ثورة النساء(115). ومن مات وهو علي خلاف اجماع الأمة وكان خارجا عن الطاعة فإنه يموت ميتة جاهلية حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من خرج عن الطاعة, وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية رواه البخاري. وقال صلي الله عليه وسلم: من خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها, لا يتحاشي من مؤنسها, ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه رواه مسلم. فهذا وعيد شديد لمن يخرج علي الأمة ويحاول ضرب البر والفاجر وأهل العهد والأمان. وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم يتبرأ ممن كان كذلك ويقول: فليس مني ولست منه وترويجها من الإسلام في وقاية الأمة من غوائل الفتن, ما ظهر منها وما بطن, تري الشريعة أن المنار الذي يلزم تغييره إذا أدي تغييره إلي مفسدة أكبر يري أهل العلم, أن تركه أولي من إنكاره, وعندئذ رضوا بارتكاب أخف الضررين, كالطبيب الذي يجري جراحة في جسد لا يستطيع تحمل الجراحة فإذا رأي الطبيب خطرا علي حياة المريض توقف ولو بقيت العلة اكتفاء بارتكاب أخف الضررين. وحث الاسلام علي رد الظلم ودفعه عن المظلوم اذا رآه انسان وإلا فإنه يأثم إذا لم يدفع عن المظلوم وهو قادر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل علي من حضره حين لم يدفعوا عنه رواه الطبراني. وعلي المسلم أن ينتظم في صفوف الجماعة وألا ينفرد حتي لا يكون هدفا للشيطان, فعن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم رواه مالك. وكما أمر الإسلام بالانتصار للمظلوم بدفع الظلم عنه فإنه أمر أيضا بالانتصار للظالم بدفعه عن ظلمه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما, قال: أنصره مظلوما, فكيف أنصره ظالما؟ قال: نحجزه عن ظلمه فذلك نصره رواه البخاري ولبناء قوة المسلمين وتدريبهم علي الاتحاد فيما بينهم شرع الله من العبادات ما فيه وحدتهم واجتماعهم بحيث يضاعف الأجر للصلاة في جماعة علي أجر الصلاة علي انفراد وكما جعل الصلوات الخمس يوميا يجتمع الناس فيها, فقد جعل الله لهم اجتماعا اسبوعيا لأهل الحي أو البلد في صلاة الجمعة, وجعل اجتماعا أكبر في صلاة العيد وجعل اجتماعا اكبر واكبر بحيث يجمع المسلمين من أنحاء العالم وذلك في الحج إلي بيت الله الحرام. ولقد أقام رسول الله صلي الله عليه وسلم المجتمع الاسلامي الأول علي اتحاد المسلمين في عقيدتهم حين دعاهم إلي الآله الواحد, وإلي قبلة واحدة, وأرسي أسس وحدتهم القرآن الذي يدعوهم إلي الاعتصام بدين الله وكتاب الله واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. لما هاجر الي المدينة كان أول عمل أقامه بناء المسجد يوثق صلتهم بالله, وآخي بين المهاجرين والأنصار ليوحد بين المسلمين ثم أبرم وثيقة المعاهدة بين المسلمين وغيرهم وبهذا الاتحاد لصفوفهم حققوا بعد ذلك الانتصارات والفتوحات. إن أعداء أمتنا لم يتمكنوا من غزو بلاد الاسلام الا بعد ان مهدوا لذلك بوضع بذور الفرقة, وإضعاف الدول الاسلامية, وتقسيمها الي دويلات متفرقة ومتباغضة فسياسة الاعداء: فرق تسد فتفرق المسلمين أخطر عليهم من عدوهم. وقد أمر الله تعالي بالتعارف والتآلف يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير سورة الحجرات13 وكما دعاهم القرآن الي التآلف نهاهم وحذرهم من الخروج علي إجماع الأمة. ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا سورة النساء(115) وعلي دعاة الإسلام والمرشدين أن يوضحوا للأمة طريق الصلاح وطريق اتحادهم كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يرشد الناس بذلك. عن أبي ثعلبة: كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية, فقال النبي صلي الله عليه وسلم إن تفرقكم هذا من الشيطان فلم ينزلوا بعد إلا انضم بعضهم إلي بعض حتي يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم رواه أبو داود. ولقد كان في غروة أحد الدرس القوي, والابتلاء الشديد, بسبب ما حدث من بعضهم من تنابز. وانقسام ومخالفة لأمر الله ورسوله. عضو هيئة كبار علماء الأزهر