شهدت تكاليف اقتراض الحكومة الفرنسية ارتفاعًا حادًا اليوم الاثنين، في أعقاب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو، الذي أعلن رحيله بعد ساعات فقط من تشكيل حكومته، في تطور سياسي دراماتيكي أثار اضطرابًا واسعًا في الأسواق المالية الأوروبية وزاد من الضغوط على الاقتصاد الفرنسي. وأفادت وكالة "بلومبرج" بأن عوائد السندات الحكومية الفرنسية لأجل 10 سنوات قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين، متجاوزة حاجز 3.45%، في حين اتسعت الفجوة بين العائد على السندات الفرنسية ونظيرتها الألمانية لتسجل فارقًا يبلغ نحو 80 نقطة أساس، وهو الأعلى منذ أزمة الديون الأوروبية عام 2012. ويرى محللون أن القفزة في تكاليف الاقتراض تعكس تراجع ثقة المستثمرين في استقرار الوضع السياسي في فرنسا، خاصة بعد أن أثارت استقالة لوكورنو تساؤلات حول قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على احتواء الانقسامات داخل التحالف الحاكم وإعادة تشكيل حكومة قادرة على تمرير الميزانية الجديدة للعام المقبل. وقال خبير الأسواق الأوروبية في بنك "بي إن بي باريبا" إن ما يحدث في باريس "يشير إلى تزايد المخاطر السياسية في قلب منطقة اليورو، الأمر الذي يرفع من كلفة التمويل السيادي ويؤثر سلبًا على جاذبية السندات الفرنسية بين المستثمرين الدوليين". وأدت هذه التطورات إلى تراجع مؤشر كاك 40 في بورصة باريس بنسبة 1.8% خلال تعاملات منتصف اليوم، فيما سجل اليورو انخفاضًا طفيفًا أمام الدولار إلى مستوى 1.072، وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة السياسية إلى تباطؤ وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي كانت الحكومة الفرنسية تخطط لها. ويُذكر أن سيباستيان لوكورنو، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، تولى رئاسة الحكومة قبل أيام فقط خلفًا لجابرييل أتال، لكن استقالته المفاجئة جاءت إثر خلافات داخلية حول توزيع الحقائب الوزارية وخطط الإصلاح الضريبي، ما اعتبره مراقبون "ضربة قاسية" لجهود ماكرون في الحفاظ على تماسك السلطة التنفيذية قبل أقل من عامين على الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي سياق متصل، دعا المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية الحكومة الفرنسية إلى "استعادة الثقة السياسية بسرعة"، مشيرًا إلى أن أي اضطراب مالي في ثاني أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو قد تكون له انعكاسات مباشرة على استقرار السوق الأوروبية ككل. وتخشى الأسواق من أن تؤدي الأزمة الحالية إلى تأجيل طرح السندات الجديدة المخطط لها بنهاية العام، أو رفع تكاليف التمويل الخارجي بما يضغط على الموازنة العامة، خاصة في ظل ارتفاع مستويات الدين الفرنسي إلى ما يقارب 110% من الناتج المحلي الإجمالي.