رغم مرور سبعة أعوام علي رحيل القارئ العملاق محمد الليثي إلا أنه مازال باقياً بصوته العذب وأدائه المتفرد بين عشاقه ومحبيه وحين ذهبت "عقيدتي" لتكرمه في ذكراه اكتشفت أن مسافة عشرة كيلو مترات تضم ثلاثة من عمالقة التلاوة علي مر العصور وهم الشيخ محمد أحمد شبيب قرية دنديطة ميت غمر. الشيخ الشحات محمد أنور من قرية كفر الوزير ميت غمر وثالثهما الشيخ الليثي من قرية النخاس شرقية البالغ تعداد سكانها مائة ألف نسمة وبها عدد 43 مسجداً و12 مكتباً لتحفيظ القرآن ومن الطرائف التي ذكر القارئ الشيخ منصور جمعة أن بقريته عائلتين من أكابر العائلات بالجمهورية عائلة الأباظية وغيث وحدث ذات يوم أن قال أحد موظفي الحكومة لأحد أعيان ووجهاء القرية: أنت من قرية الشيخ محمد الليثي؟ فانفعل الرجل بشدة مما سمع وكأنه كان يريد أن يقال له: أنت من بلدة عائلة فلان. وبمناسبة ذكري رحيل الشيخ محمد الليثي كان ل"عقيدتي" اللقاء التالي.. يقول القارئ الشيخ منصور جمعة منصور صديق الشيخ محمد الليثي ومن أهالي قريته: شرفت بصداقة وزمالة الشيخ محمد الليثي ومرافقته في العديد من السهرات القرآنية وكانت الفرص كلها متاحة لأرصد عن قرب حب الناس له ولأدائه المتميز في تلاوته للقرآن.. ومن المواقف التي تدل علي حسن صوته وجماله الاخاذ أقول: إنني فوجئت حينما كنت بالصف الثالث الإعدادي بالشيخ ينادي علي "وكنت ألعب الكرة وقتها" فخرجت من الملعب وقلت له: خير يا مولانا الشيخ محمد؟ وكان يكبرني بخمس سنوات فقال لي: عد إلي البيت بسرعة وارتدي ملابسك حتي نلحق بالقطار لأنني دعيت لإحياء سهرة ب"ههيا". وبالفعل أسرعت إلي منزلنا وارتديت جلباباً ورافقت الشيخ واستقلينا القطار من بلدتنا إلي الزقازيق التي تبعد عنا 9 كيلو ثم استقلينا قطاراً آخر المتجه إلي المنصورة وحين نزلنا في ههيا فوجئنا بسرادق عزاء كبير "40 سقفية" وحين أخذ الشيخ محمد الليثي في التلاوة قمت بعملية استطلاع ورصد انفعالات الحضور من المعزين فوجدتهم وقد عاشوا لحظات طيبة مستمتعين بأداء الشيخ الليثي الذي كان موفقاً وحين امتلأ العزاء بالمعزين طلب أصحاب السهرة من الشيخ أن يصدق ثم يواصل حتي يتيح الفرصة للمعزين بالخروج ولكن المفاجأة أن الشيخ الليثي عندما قال: صدق الله العظيم أنه لم يتحرك أحد وظل العزاء كما هو. الكل جلس ليشاهد الشيخ وهو يتألق في تلاوته وبجمال صوته الأخاذ الذي كان يأخذ بالألباب.. وفي ختام السهرة فوجئ الشيخ الليثي بأصحاب المأتم وقد قاموا بزيادة أجره من سبعة جنيهات إلي عشرة مع إحضار سيارة محترمة لتوصيلنا إلي بلدتنا "النخاس" حدث ذلك نتيجة اقتناعهم بنجاح ليلتهم التي وفق الله فيها القارئ الشيخ الليثي الذي كان موفقاً توفيقاً ربانياً. نبوغ مبكر وعن نبوغ الشيخ محمد الليثي يقول الشيخ منصور جمعة: لقد كان الشيخ محمد الليثي من عائلة قرآنية فجده ووالده من أعلام القرآن وقد حفظ القرآن علي يد والده الشيخ محمد أبوالعلا الليثي وتعلم علم القراءات علي يد الشيخ محمد عزب بقرية بني قريش منيا القمح وأري أنه منذ نعومة أظفاره وهو يتمتع بالموهبة الصوتية "بالفطرة" مما أدي إلي سرعة وانتشار صوته العذب. ليس في بلدتنا وحدها بل علي مستوي المحافظة حيث كانت توجه إليه الدعوات للقراءة بمسجد الحريري "جاويش". الانطلاقة الحقيقية وعن بداية الانطلاقة الحقيقية بالنسبة للشيخ محمد الليثي يقول الشيخ منصور: أري أن انطلاقة الشيخ الحقيقية لانطلاق شهرته نحو العالمية كانت حينما أنهي الخدمة العسكرية عام 73 حيث أخذت شهرته تزداد يوماً بعد يوم وأصبح نجماً متألقاً لم يترك محافظة إلا وقرأ فيها مثل الصعيد والإسكندرية والمنصورة ودمياط وطنطا وغيرها حتي أنه سافر إلي أغلب دول العالم ليكون خير سفير للقرآن الكريم ليبهر الجميع بحلاوة صوته ونفسه الطويل وسط دهشة واستغراب من أداء محكم وصوت معجز استطاع بفضل الله أن يحفر اسمه وسط أسماء عباقرة التلاوة من الرعيل الأول في دنيا القرآن الكريم ليسعد به كل مسلمي العالم في كل أنحاء الدنيا. ليلة الشيخ القاضي أضاف الشيخ منصور: أن من أحد أهم الليالي التي ساهمت في انتشار الشيخ محمد الليثي تلك الليلة التي كانت تقام في شهر أبريل بكفر شعبان مركز منيا القمح شرقية بمناسبة ذكري رحيل العالم القرآني الشيخ عبدالحق القاضي فقد كان يشارك في هذه الليلة أغلب قراء الجمهورية إذاعيين وغير إذاعيين.. فقد كان الشيخ الليثي يحرص علي المشاركة بها وكان مقدم الحفل المرحوم الشيخ محمد جمعة عمارة يحرص علي أن يقدمه في ختام الليلة وكنا نري ونشاهد كيف الشيخ الليثي يتفوق علي نفسه وسط هجوم المشايخ عليه عقب انتهائه من كل آية ويقسم الشيخ منصور أن الليلة كانت لا تتوقف أو تنتهي إلا لصلاة الفجر. جامع تراث الشيخ يقول مؤمن أنيس الفكهاني عاشق الشيخ وأحد أقاربه: صلة القرابة البعيدة بيني وبين الشيخ ليست هي الرباط ولكن حب القرآن وموهبته المتميزة اعتبرها هي الأقوي فأنا أعشق وأستمع إليه منذ كنت طفلاً صغيراً وكنت رغم صغري أندهش من أدائه المعجز وأصبحت أحرص علي جمع شرائطه دون أن ألتقي بفضيلته. فأنا أعتبره صاحب مدرسة صوتية خاصة في دنيا التلاوة حيث تعتمد علي حلاوة الصوت وعذوبته وأسلوبه الذي انفرد به عبر منابر التلاوة في مختلف البلدان. جواد كريم وبعيداً عن القراءة يعرف مؤمن الشيخ الليثي كإنسان فيقول: هو إنسان بسيط جداً. متواضع وكان يري نفسه من أقل الناس ولا يعد نفسه من المشاهير ودائماً ما كان يقول عندما يمدحه ويمجده أحد يقول إنه عطاء الله الذي أمدنا بفضله بعد عجزنا. وكان كريماً جواداً بالخير. يحب أهله وزملاءه من القراء حتي أننا بعد وفاته عندما نجلس مع عامة الناس والقراء لم نجد شكوي واحدة من هذا العلم القرآني الكبير. ويؤكد مؤمن أري أنه من الذين انفردوا بحب من زملائه وأهل مهنته. اللقاء الأول ويواصل مؤمن: ولما تكرر اسمي أمام فضيلته حيث وجد البعض يهديه بعض الأشرطة الكاسيت له وهو يقرأ في السهرات فكان من الطبيعي أن يسأل: من أين لكم بهذه الأشرطة؟ فكانت الإجابة من عند مؤمن أنيس فطلب من المحبين أن أذهب إليه وبالفعل تم اللقاء الأول الذي نتج عنه تعلقه بي مثلما تعلقت به وصارت علاقتي معه من أكثر علاقته بأقاربه وليست علاقة مستمع أو محب للشيخ. بل أصبحت هذه العلاقة من أهم الأعمدة في حياته العملية والشخصية فأصبحت ملازماً له فكنت أطوف معه في جميع أنحاء الجمهورية. ومكنني المولي عز وجل من جمع تراث هذا القارئ العملاق حتي يكون تخليداً له بعد وفاته. ومازال عطاء القرآن موصولاً فحتي يومنا هذا مازال تراث الشيخ الليثي موجوداً ومتجدداً.. ومازال هناك العديد من الأشرطة التي لم تخرج إلي النور ولم يسمعها أحد من قبل حيث يوجد لدي بحمد الله حوالي ثمانية آلاف ساعة سجلت منها نصفها وجمعت النصف الآخر بعد وفاة الشيخ حيث كنت أسير جاهداً علي جمع هذا النصف الباقي في جميع البلدان ومازلت أبحث بالتعاون مع أعضاء رابطة محبي الشيخ الليثي ومؤسس موقعه ناصر صلاح المولع هو الآخر بحب الشيخ الذي كان منفرداً في أدائه وموهبته وعطاء الله عز وجل له فقد كان صوته صوتاً قوياً ندياً مما جعل شباب القراء يحالون أن يسيروا علي نهجه بعد أن أحبوه حباً أري أنه هو الحب الصادق الخالص وإن دل هذا فإنما يدل علي توفيق الله تعالي لهذا القارئ العملاق. الشيخ الإنسان يقول مؤمن: ذهب الشيخ لإحياء سهرة بالإسماعيلية وفي ختام السهرة ركب الشيخ سيارته وانتظر صاحب العزاء ليحصل علي أجره فإذا بزوج الراحلة ومعه ابنه الوحيد يقتربان من الشيخ وقال له الرجل: أرجو يا مولانا أن تتقبل أسفي ومعذرتي حيث إنني أنفقت كل ما أملك علي زوجتي أثناء مرضها وأنا لم أطلبك بل طلبك أحد أقاربي وهم لا يعلمون ظروفي وأكرر أسفي لفضيلتكم.. فقام الشيخ بإعطاء ولده الصغير شيئاً من النقود وتقبل الوضع وطلب من الطفل الصغير أن يدعي له وانصرف. تألق في احتفالية عيد الأم بالمدرسة يقول مؤمن: من أهم المحطات في حياة الشيخ الليثي أري أنها حينما قرأ وهو تلميذ متفوق في المدرسة الابتدائية في مناسبة عيد الأم أثني عليه مدير المدرسة وقابل والده وأوصاه به خيراً بحيث لا يهمل موهبته فكانت المفاجأة أن ألحقه بكتاب القرية فكان الأهالي يعيشون حالة من الفرح والسرور وكنا نشاهد الفلاحين ينهون أعمالهم ليتفرغوا للاستمتاع بأداء الشيخ الليثي المبهر والمعجز فقد كان بكل أمانة قارئاً عملاقاً أحرص علي سماعه قبل النوم يومياً. تكريم الإذاعة ويؤكد الإعلامي السيد صالح بشبكة القرآن الكريم أن الشيخ محمد الليثي يعد من أهم القراء المؤثرين في النفوس في دنيا التلاوة فهو يعد مدرسة مستقلة بذاتها شأنه شأن كبار القراء العمالقة الذين أسعدونا علي مر العصور أمثال المشايخ رفعت ومصطفي إسماعيل والحصري وعبدالباسط والبنا والمنشاوي وغيرهم وستقدم الشبكة الليلة تلاوة نادرة للشيخ الليثي من سور النحم والقمر وقصار السور بمناسبة ذكراه التي توافق اليوم الثلاثاء 5 مارس. الشيخ محمد الليثي في سطور ولد القارئ الشيخ محمد محمد أبوالعلا الليثي في عام 1949م بقرية النخاس مركز الزقازيقشرقية. ترعرع في بيت قرآني فوالده وجده في حفظة القرآن حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة علي يد والده ذاع صيته كقارئ للقرآن في قريته وفي القري المجاورة ثم في محافظته الشرقية وأبهر الناس بحلاوة صوته وطول نفسه وكانت الناس فرحانة في دهشة واستغراب بدأ الشيخ مقلد الكبار القراء أمثال المشايخ رفعت وعبدالباسط المنشاوي والبهتيمي والعيد عبدالصمد الزناتي ومحمود محمد رمضان حتي التحق بالإذاعة عام 1986م وعرفته مصر كلها بصوته المميز القوي والمؤثر حتي لقب بعملاق القراء ونال منزلة كبيرة بين أقرانه. أحيا العديد من الحفلات مباشرة من أكبر مساجد الجمهورية مثل مساجد الحسين والسيدة زينب والنور والإمام الشافعي سافر إلي أغلب دول العالم مثل إيران والهند وجنوب أفريقيا وألبانيا ولبنان ورحل في 5/3/2006م.