* يسأل أحمد عبدالمولي من القاهرة: كثر الكلام عن التصوف وبعده عن منهج الإسلام وأريد الرأي الحق في مسألة التصوف والمتصوفة؟ ** يقول د. محمود كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: التصوف الحق منهاج وجداني يجمع بين الشريعة والحقيقة. فالإيمان الركن القلبي "عبودية" والإسلام "الشريعة": "عبادة" والإحسان الركن السلوكي: "عابدة". يجمع بين عبادات القلب والحواس والجوارح الظاهرة والباطنة. فيصدق عليه: اسم لما يحبه الله - عزوجل - ويرضاه من الأقوال والافعال. والتصوف وفق ما سلف وما يناظره وما يشابهه منهج تربوي. ليس فرقة ولا جماعة. بل "طريقة عامة جامعة". "وألو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا". "مجاهدة ومكاشفة. تربية لأمير وسلطان البدن "ألا ان في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب" "إن الله - تعالي لا ينظر إلي صوركم ولا إلي اشكالكم ولا إلي احسابكم إنما ينظر إلي قلوبكم. وهو الفرار بالكلية قلبا وعقلا وجسدا إلي الله - عزوجل - "ففروا إلي الله" وهو هجرة روحية إليه - سبحانه وتعالي - "والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه" ومن جيد ما يستشهد به" إن الطريق إلي ذلك إنما هو تقديم المجاهدة. أو محو الصفات المذمومة. وقطع العلائق كلها. والاقبال بكنه الهمة علي الله - عزوجل - ومتي حصل ذلك كان الله - تعالي - هو المتولي لقلب عبده. المتكفل له بتنويره بأنوار العلم. وإذا تولي الله - سبحانه - أمر القلب فاضت عليه الرحمة. وأشرق النور في القلب. وانشرح الصدر. وانكشف سر الملكوت. وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة. وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية. فليس علي العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة. وإحضار الهمة. مع الإرادة الصادقة. والتعطش التام. والترصد بدوام الانتظار. لما يفتحه الله - سبحانه وتعالي من الرحمة. إن التزكية هي الشريعة والوسيلة "ويعلمهم الكتاب والحكمة". "قد أفلح من زكاها". وكما قال أهل السبيل: الشريعة جاءت بتكليف الحق. والحقيقة جاءت بتعريف الحق. فالشريعة أن تعبده. والطريقة أن تقصده. والحقيقة أن تشهده. قال الله - عزوجل - "إياك نعبد وإياك نستعين" وقال - جل شأنه "كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون". والشريعة قيام بما أمر به وبصر. والحقيقة شهود لما قضي وقدر. فشريعة بلا حقيقة: عاطلة! وحقيقة بلا شريعة: باطلة فالشريعة والحقيقة شيء واحد. إن هذا المنهج القويم يحرر الإنسان من ماديات وبهيمية الجسد. يحرر الإنسان من شرك الشيطان وحزبه! وهذا المنهج مقيد بالكتاب العزيز الذي "لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" وبالسنة النبوية الصحيحة. فكل تصرف قولي أو فعلي خالفهما فتصرف باطل مردود علي صاحبه. ينبغي للسائل أن يميز بين "الطيب والخبيث" بين "الاصيل والدخيل" بين "النفيس والخسيس". فإذا ميز وجاهد وطبق وحقق "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". ولا يشغب علي المنهج تصرفات أدعياء ومزاعم دخلاء وسلوكيات جهلاء. وقدح أغبياء. فقدر المنهج الحق أن يحابه بشياطين الإنس والجن "يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم ومايفترون". "قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ". التصوف الحق منهاج صدق لغاية "إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين". فتعلم سيرة القوم بالتجرد طلبا للحق ولا يخدعنك المخادعون والمنكرون والمزايدون. فالركب - كما قال أمير المؤمنين سيدنا عمر - رضي الله عنه - كثير والحج قليل! والله وحده الهادي إلي سواء السبيل