رغم مرور ستة أعوام علي رحيل فارس الفتوي في القرن الماضي وأوائل القرن الحالي الشيخ عطية صقر الذي رحل عن عالمنا عام 2006م عن عمر يناهز 92 عاما إلا انه مازال متربعا علي عرش الافتاء ومازال يحيا رحمه الله في القلوب. يذكره الناس بالخير ويترحمون عليه.. مؤكدين انه لو عاش إلي اليوم ما تجرأ دعاة اليوم علي الظهور بفضائيات هذا الزمان ليشتتوا الناس بفتاوي مغلوطة.. ولقدر وعظم هذا العالم الجليل وعلو منزلته وشأنه حرصت "عقيدتي" علي تكريمه في ذكراه السادسة فذهبت إلي مسقط رأسه قرية بهنباي مركز القنايات بمحافظة الشرقية وأجرت العديد من المقابلات مع أفراد عائلته وبعض جيرانه. يقول اللواء مهندس محمد سامي عطية صقر "نجل الشيخ": رحم الله والدي رحمة واسعة فقد شرفنا الله تعالي بأبوته لنا فما من يوم يمر إلا ويقابلنا الناس بالترحاب والحفاوة البالغة المصحوبة بالدعاء للوالد لدرجة جعلتنا نشعر انه مازال علي قيد الحياة رغم انه رحل منذ ستة أعوام كاملة. أضاف: كلما حللنا بمكان أو سافر أو ارتحلنا حتي في المطارات عند اعتماد جوازات السفر نجد الناس في سعادة غامرة ويأخذون في الثناء والدعاء لوالدي مع ذكر بعض مآثره ومواقفه وفتواه وقال: اكتشفنا بعد وفاة الشيخ اننا لا نعلم الكثير عنه وبدأنا نسمع الحكايات والمواقف ممن لا نعرفهم من قبل.. فهذا يقول ان الشيخ قدم إليّ معروفا وآخر يؤكد ان الشيخ أصلح بينه وبين زوجته عن طريق التليفون وذاك يقول: الشيخ نهرني لأمتنع عن الحلف بالطلاق واستقامت حياتي بعد ذلك.. هذا بالإضافة إلي العديد من المواقف التي كان ينبغي أن توضع في سجل مواقف الشيخ وضميره في فتواه دون مراعاة ولا مجاملة لأحد وكان يضع الله سبحانه وتعالي نصب عينيه. يرفض المناصب من جانبه قال الحاج علي صقر "85 عاما شقيق الشيخ" لقد كان أخي الشيخ عطية صاحب قضية هي قضية إتمام العدالة بعينها أي يحكم بالعدل دون مجاملة لأحد علي الاطلاق حيث كان لا يخشي أحدا حتي ولو كان الملك أو رئيس الجمهورية وبالتالي كان لا يخضع لأي ضغوط.. وكثيرا ما رفض المناصب التي عرضت عليه حتي لا يتخلي عن مبادئه. تفوق الشيخ.. وتكريم الملك فاروق وعن تفوق الشيخ يقول الحاج علي: كان الشيخ متفوقا في دراسته وكان يأخذ عامين في عام واحد لدرجة جعلت الملك فاروق يكرمه بقصر عابدين عام 1943م حيث تلقي الشيخ عطية دعوة من جلالة الملك مازلت أحتفظ بها ويسرني أن أهدي صورة منها لجريدتكم الموقرة.. وقد جاء في الدعوة وهذا نصها: "بأمر حضرة صاحب الجلالة الملك" يتشرف رئيس الديوان بأن يدعو حضرة المحترم الأستاذ الشيخ عطية محمد عطية صقر لتناول الشاي بقصر عابدين العامر يوم الاثنين 15 شعبان 1362ه 16 أغسطس 1943م الساعة السادسة مساء وذلك لنجاحه بتفوق في امتحان شهادة العالمية مع اجازة الدعوة والارشاد.. وقد تزيلت الدعوة.. بعبارة بالملابس العادية. أياد بيضاء أكد أحمد علي "نجل شقيق الشيخ" ان الشيخ كان محبوبا من جميع أهالي القرية.. فرغم انشغالاته وكثرة أسفاره إلي جميع أنحاء العالم إلا انه كان يحرص علي الحضور إلي القرية في الأعياد والمناسبات ويقوم بأداء خطبة الجمعة والعيدين وكان الجميع يلتف حوله ما بين مرحب وسائل وصاحب حاجة. أضاف: لقد كان للشيخ أياد بيضاء علي الأسر الفقيرة في القرية ويساهم في بناء المساجد والمعاهد الأزهرية والمدارس ويشترط عدم ذكر اسمه.. كما قام الشيخ ببناء مسجد أبوجماعة علي نفقته الخاصة ورفض عدم وضع اسمه علي المسجد نهائيا. قال أحمد علي: انني عاتب علي الاعلام الذي أري انه ظلم الشيخ عطية صقر حياً وميتاً.. وذكر قائلاً: تزامن مع وفاة عمي وفاة فنانة مشهورة فسلط الاعلام الضوء عليها ووضع خبر وفاة الشيخ علي شريط أسفل شاشة التليفزيون. تراث نافع أضاف ان الشيخ عطية كان يتحدث العديد من اللغات بطلاقة منها الانجليزية والفرنسية وقد عثر داخل مكتبته العملاقة علي نسخة نادرة مكتوبة بخط يده للفتاوي التي أعدها وقام بترجمتها بنفسه للغتين الانجليزية والفرنسية وقد تركها لتكون تراثا نافعا للأمة بأسرها. يعطي في الخفاء وقالت الحاجة نفيسة "88 عاما شقيقة الشيخ": لقد كان أخي الشيخ عطية ينفق في السر ويعطي في الخفاء. يجهز اليتيمات. يساعد الأرامل ويستحلفهم عدم ذكر اسمه. وكان يرفض الكشف عما كان يقوم بفعله من خيرات ويبحث عن إعادة الحقوق لأصحابها. يعمل علي إعادة الحقوق الضائعة لأصحابها ويصلح بين المتخاصمين وكان الناس يحترمونه لعلمه ويهابونه لشدة وقوة شخصيته.. وبعد وفاته وجدنا الناس تأتي إلينا لتسأل عن كتبه وفتواه. رنين التليفون لا يتوقف يقول الشيخ العربي فرج "المداح والمنشد الديني" جار الشيخ : لقد كان رحمه علما من الأعلام ليس في مصر وحدها فقط بل علي مستوي العالم أجمع فقد حباه ربه من العلم الكثير فكان مفتيا لا يباري لدرجة انه رحمه الله قد أثري المكتبة الاسلامية بالفتاوي المتنوعة التي أثرت في الناس جميعا وقد علمت ممن سبقونا في معاصرة الشيخ ومعايشته في القاهرة ان تليفونه كان لا يكف عن الرنين ليلا ونهارا وذلك لأن الناس يتصلون بالشيخ يستفتونه وهو يجيب عن أسئلة الجميع. حضوره للقرية عيد أكد الشيخ محمود علي حسن "قاريء القرآن الشهير" ان أهالي القرية كانوا يعتبرون يوم حضور الشيخ إلي القرية يوم عيد حيث كانوا يجدون سلواهم عند الشيخ. وعن فتاوي الشيخ قال الشيخ محمود: لقد كانت إجابة الشيخ عطية صقر عن الفتاوي مباشرة.. لا لف فيها ولا دوران.. الكلمة هي الكلمة. لا مجاملة لأحد وأري انه كان من حقه أثناء حياته أن يتولي دار الإفتاء أو مشيخة الأزهر ولكن علمنا من الحاج علي صقر شقيق الشيخ ان عدم تعاطفه مع الحكام برغبته لم يمنحه فرصة تولي المناصب العليا. استراحة للزوار واختتم عبدالله الدسوقي "ضابط بالقوات المسلحة" صهر الشيخ ان الشيخ عطية صقر كان يلقي بعاطفته وراء ظهره عند اصدار فتواه ولا يلتفت إلي صاحب الفتوي حتي ولو كان من أحد أقاربه أو حتي من عائلته أو أسرته فهو لم يكن يخشي إلا الله. وعن كرم الشيخ قال: لقد كان منزل الشيخ يستقبل جميع الزوار من الفتوي وأصحاب الحاجات. فالبيت كان عبارة عن استراحة لكل هؤلاء فكان متنفسا للتعساء وللصلح بين المتخاصمين والمتشاحنين فقد كان الشيخ عليه رحمة الله يستقبل الجميع ليلبي طلباتهم ثم يعود في المساء إلي القاهرة ليستقبل الفتاوي علي التليفون الذي لم يكف عن الرنين إلا بعد وفاة الشيخ. الشيخ في سطور ولد في 4 من المحرم 1333ه الموافق 22/11/1914م بقرية بهنباي شرقية حفظ القرآن وعمره تسع سنوات وجوده بالأحكام وعمره عشرة أعوام. التحق بالمدرسة الأولية بالقرية ثم التحق بمعهد الزقازيق عام 1928م وفي عام 41 حصل علي شهادة العالمية والتحق بتخصص الوعظ وحصل منه علي شهادة العالمية مع إجازة الدعوة والإرشاد عام 43 وكان ترتيبه الأول في الشهادتين. عين فور تخرجه بالأوقاف فعمل إماما وخطيبا بمسجد عبدالكريم الأحمدي بباب الشعرية بالقاهرة.. ونقل إلي مسجد الأربعين البحري بالجيزة عمار بن ياسر حاليا عام ..44 وفي عام 45 عين واعظا بالأزهر في طهطا ثم في السويس ورأس غارب بالبحر الأحمر ثم القاهرة ورقي إلي مفتش ثم مراقبا عاما بالوعظ وكان قد عمل أثناء تلك الفترة مترجما للغة الفرنسية بمراقبة البحوث والثقافة عام 1955م. عمل وكيلا لإدارة البعوث عام 69 ومدرسا بالقسم العالي للدراسات الاسلامية والعربية بالأزهر ومديرا لمكتب شيخ الأزهر عام 1970م وأمينا مساعدا لمجمع البحوث الاسلامية.. وبعد التقاعد عمل مستشارا لوزير الأوقاف وعضوا بالمجلس الأعلي للشئون الاسلامية وعضوا بمجمع البحوث الاسلامية بالأزهر ورئيسا للجنة الفتوي وانتخب عضوا بمجلس الشعب وعين نائبا بالشوري 89 ومديرا للمركز الدولي للسنة والسيرة بالمجلس الأعلي للشئون الاسلامية بالأوقاف 1991م سافر إلي الكويت لمدة سبع سنوات وسافر إلي ايران واندونيسيا وليبيا والبحرين والجزائر والسنغال ونيجيريا وبنين والولايات المتحدةالأمريكية وباكستان وبنجلاديش والعراق وباريس ولندن وماليزيا وبروناي وسنغافورة والاتحاد السوفيتي. حصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي 83 وعلي نوط الامتياز من الطبقة الأولي .89 له ثلاث فتاوي أحدثت ضجة كبري هي الأولي: ان تعاملات البنك ربوية خالصة الثانية: ختان الإناث مكرمة. الثالثة: أفتي بحرمة مصافحة المرأة ..له 36 مؤلفا أثرت المكتبة الاسلامية.