نأخذ راحة اليوم من عجائب وغرائب السياسة التي لا تنقضي علي الساحة المصرية ومعركة الإسلاميين والعلمانيين.. وندلف إلي عجائب وغرائب الأخلاق في عصر الثورة والفتن.. فقد استوقفني وادهشني ما رأيته بالصدفة علي إحدي القنوات الفضائية الخاصة أثناء مرور عابر بالريموت هربا من فوضي مقاطعات إعلانية مزعجة أثناء البرامج.. المقطع بدا لي وكأنه إعلان عن فيلم سيتم عرضه قريبا ومأخوذ عن قصة حقيقية من واقع الحياة وركزت علي الأسماء ولما كان من بينها صاحب القناة فتأكدت أنه إعلان عن فيلم حتي فوجئت أو قل صدمت عندما عرفت فيما بعد أنه إعلان طلاق.. أو إشهار لوثيقة الطلاق علي الهواء.. هالني الموقف.. وصدمتني الحالة العبثية والتدني في الأخلاق.. والاستهزاء والاستهتار بالرباط المقدس.. وبأبغض الحلال عند الله.. و التطاول علي حقوق الأخرين واحتقار المشاعر الإنسانية.. اللهم إلا أن يكون البعض قد أصابتهم لوثة من جنون. واقرأوا معي الخبر الذي بثته الوكالات والمواقع الاخبارية يقول الخبر: في واقعة جديدة وغريبة من نوعها. قام رجل الأعمال الشهير جمال مروان صاحب قناة "ميلودي" الفضائية. بتطليق زوجته من خلال إعلان تليفزيوني اذاعه علي قنواته. وأكد فيه أنه يعلن طلاقه للسيدة جيلان محمود طلقة أولي غيابية. وأوضح في الإعلان ما لها من مستحقات ومؤخر الصداق إلي آخره. حسب ما نص عليه عقد الزواج بينهما. الفيديو أعلن فيه عن طلاقه من زوجته بنفس الطريقة الساخرة التي تقدمها القناة في إعلاناتها. وكتب في نهاية الفيديو "طلاق عربي.. أم الأجنبي" وخلال الفيديو أظهر "جمال" وثيقة الطلاق ومؤخر الصداق الذي قام بإيداعه في المحكمة. استعان جمال مروان في هذا الإعلان بصوت "وديع" مذيع إعلانات قنوات ميلودي الشهير. حتي أن هناك من ظن في البداية أن الأمر ليس سوي إعلان جديد من القناة. حتي اكتشف الجميع في النهاية أن الإعلان حقيقي. وأن جمال مروان استخدم تلك الطريقة الجديدة ليطلق بها زوجته. لم أكن أتصور أن يكون تمام إشهار الطلاق بهذه الطريقة العبثية اللا أخلاقية التي لا علاقة لها بالإبداع.. إعلان طلاق علي شكل إعلان في فيلم سينمائي راقص.. مثل إعلانات أي منتج يتم الترويج له.. وكأنه طلاق تجاري.. أو دعوي لإعلانات الطلاق علي الطريقة المروانية الميلودية.. وكأنه رسالة أو نموذج أو موديل لمن تريد التطليق.. لمن تريد التشهير بطليقها أو من يريد كسر أنف طليقته.. إنها ثورة في التطليق والانهيار القيمي والخلقي إلي أبعد الحدود. لا أعرف ماذا جري للناس في بر مصر.. وماذا أصابهم وإلي أي مدي هم ذاهبون؟ هل نضحت عليهم الفوضي التي تضرب اطناب المجتمع ومازلنا عاجزين عن التعمل معها وإيجاد حل لها يريح الناس منها ومن شرورها وآثامها؟ هل كانت القصة أو الحكاية ناقصة حكاية الطلاق والتطليق؟ الطلاق يا سادة كارثة وفجيعة اجتماعية حتي ولم يكن هناك أولاد وأطفال.. انه عملية تفكيك صعبة وعسيرة نفسيا واجتماعيا ولذلك لم يكن مناسبة مأساوية اشبه بالجنازات عند البعض حتي وان كان حلا لمشكلة أو أزمة اجتماعية وعائلية. الغريب هو حالة الصمت علي تلك الواقعة الغريبة والمثيرة وما فيها من انتهاك للحرمات وخصوصيات البشر.. وما فيها من مخالفات شرعية أوضحها الشرع ونص عليها القرآن اللكريم صراحة.. فقد بين الله تعالي طريقة الطلاق الشرعية فقال "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أي الطلاق المشروع الذي يملك به الزوج الرجعة مرتان وليس بعدهما إلا المعاشرة بالمعروف مع حسن المعاملة أو التسريح بإحسان بألا يظلمها في حقها شيئا ولا يذكرها بسوء ولا ينفر الناس عنها. وذلك لحكم ومقاصد سامية تضمن الاستقرار ودوام المودة وحسن العشرة في المجتمع وأيضا لتأمين المستقبل للمطلقة وحتي لا يؤثر طلاقها علي فرصها في الحصول علي زوج أفضل في المستقبل إذا أرادت.. أو إذا رغب أحد في التقدم للزواج منها. ان التقاليع والافتكاسات التي تطل علينا بين الحين والآخر من جانب بعض الفئات في المجتمع فيما يخص الطلاق.. مثل إصدار بيانات أو إقامة عزومات وولائم وما شابه ذلك لا يستقيم وطبيعة النفس السوية ومنطق الحق والعدل بين الناس.. لأن الطبيعة السوية تقتضي عندما تخيم أجواء الطلاق أو تقع فيه تهرع للبحث عن مخرج أو حل شرعي وتبيت في هم وغم بحثا عن حيلة شرعية حتي لا يقع الطلاق أو للخروج من المأزق.. لا أن تبحث عن سبب للكيد والتشهير والانتقام والاستهانة بكرامة المرأة والاستهتار بها واماطة اللثام عما كان من أسرار وغير ذلك من أمور لا يعلمها إلا اثنان الله ثالثهما. ينبغي أن نعلم أن الطلاق ليس للتسلية ولا لتنفيس الغضب كما يفعل بعض الأزواج الذين يوقع أحدهم الطلاق علي الزوجة عند أي خلاف أو غضب. فتثور عصبيته الحمقاء. ولا يري مهدئا لها سوي الطلاق. أو يريد فرض رأيه علي زوجته وإرغامها علي فعل ما يريده. فيحلف عليها يمين الطلاق معلقا كأن يقول: إذا فعلت كذا فأنت طالق أو إذا ذهبت إلي مكان كذا فأنت طالق. لعلي أؤكد ما ذهب إليه بعض المحللين والدراسين من أن ارتفاع نسب الطلاق في الأونة الأخيرة لهو أكبر دليل علي سوء استخدام الحق الشرعي في الطلاق.. من قبل بعض الرجال الذين جعلوا الطلاق وسيلة إرهاب وابتزاز. خلافا لحكمة الشرع الحنيف الذي جعل الطلاق علاجاً لمعضلة الخلاف بين الزوجين بعد التأكد من استحالة العشرة الزوجية بينهما. يقول الله تعالي: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحهون بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخدوا آيات الله هزواً واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم "231" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكي لكم واطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون "232"". ويقول تعالي في سورة الطلاق: "يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً "1" فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً "2"". ** روي الثعلبي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن من أبغض الحلال إلي الله تعالي الطلاق" وعن علي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش" وعن أبي موسي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات" وعن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق".. وروي الدار قطني عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يا معاذ ما خلق الله شيئا علي وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئا علي وجه الأرض أبغض من الطلاق". ** لا تكن كالفرزدق الشاعر الذي طلق زوجته ابنة عمه "النوار بنت أعين" وكانت امرأة صالحة فيها دين وكان الفرزدق صاحب سرف علي نفسه في المعاصي والتشبيب بالنساء والغزل ثم ندم أشد الندم حين طلقها فقال أبياته التي يتحسر فيها علي طلاقه للنوار ويذكر فيها الكسعي وندامته: ندمت ندامة الكسعي لما... غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها.. كآدم حين أخرجه الضرار فكنت كفاقيء عينيه عمداً.. فأصبح ما يضيء لي النهار ولو أني ملكت يدي وقولي.. لكان لنا علي القدر الخيار وما فارقتها لقلي ولكن.. رأيت الدهر يأخذ ما يُعار