لما انتقل النبي - صلي الله عليه وسلم - إلي الرفيق الأعلي. وبويع أبوبكر الصديق- رضي الله عنه- بالخلافة. خطب الناس خطبة جامعة أري فيها أسس الحكم وبين فيها حق الحاكم وواجباته- وفي اليوم التالي لمبايعته ذهب إلي السوق ومعه أثواب من القماش يحملها علي يده. فرآه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - فقال له: إلي أين؟ قال: إلي السوق. قال: وماذا تصنع في السوق وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قال: ارجع حتي يفرض لك أبوعبيدة في بيت المال "أي يجعل لك راتباً في بيت المال" وكان أبو عبيدة بن الجراح خازناً لبيت المال. فلما حضر عند أبي عبيدة قال: افرض لي في بيت المال قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأفقرهم . وكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف. فإذا أخلقت "تمزقت وذابت" رددتها إلي بيت المال وأخذت غيرها وأعطاه جملاً يركبه ويحمل عليه لأهله وشاة يحلبها ويأخذ لبنها وقطعة من القطيفة "كالسجادة" يفرشها. 1⁄4 جاءت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وأبوها يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره فقالت لعمرك ما يعني الثراء عن الفتي إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فنظر إليها كالغضبان ثم قال: ليس كذلك يا أم المؤمنين ولكن قولي: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" "ق:19". 1⁄4 عن الحسن بن علي أبي طالب - رضي الله عنها - قال: لما حضرت الوفاة أبا بكر - رضي الله عنه - قال لابنته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: انظري إلي اللقحة "الشاة" التي كنا نشرب لبنها والناضج "الجمل" والقطيفة التي كنا نفرشها والجفنة "القصعة الكبيرة" التي كنا نصبغ فيها. فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا نتولي أمر المسلمين. فإذا متي فأديه إلي عمر. فلما مات أرسلت به إلي عمر- رضي الله عنه - فقال: يرحمك الله يا أبا بكر. فقد أتعبت من جاء من بعدك. 1⁄4 وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها . قالت: لما مرض أبوبكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد من مالي منذ دخلت الامارة. فابعثوا به إلي الخليفة من بعدي. فإني كنت إستحله. 1⁄4 وفي رواية: تردون إلي بيت المال ثمانية آلاف درهم من مالي. فقد أنفق علي بمقدار ذلك أيام الخلافة من بيت المال. وقال لعائشة - رضي الله عنها - وهو يجود بنفسه: إذا مت فاغسلي أخلافي "ملابسي" فاجعيلها أكفاني: فقالت: يا أبتاه قد رزق الله وأحسن. نكفنك في جديد - قال: إن الحي هو أحوج يصون نفسه ويقنعها والميت إنما يصير إلي الصديد والبلي. 1⁄4 وفي رواية: لما حضرت الوفاة أبا بكر رضي الله عنه - قال: إن حائطي الذي بمكان كذا وكذا يرد إلي بيت المال عوضاً عن المال الذي كنت أخذته من بيت المال أيام خلافتي: فقالت عائشة رضي الله عنها: نعم . فردته ثم قال: إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً . ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا . ولبسنا من خشن ثيابهم علي ظهورنا. وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولاكثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضج وجرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهم إلي عمر وابرئي منهم ففعلت فلما جاء الرسول عمر - رضي الله عنه- بكي حتي جعلت دموعه تسيل علي الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر.. لقد أتعب من جاء من بعده.. ياغلام . ارفعن فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سبحان الله.. تسلب عيال أبي بكر عبداً حبشياً وبعيراً ناضجاً وجرر قطيفة ثمنه خمسة دراهم؟ قال عمر رضي الله عنه: فما تأمر؟ قال: تردهن علي عياله. فقال عمر رضي الله عنه: لا والذي بعث محمداً بالحق لا يكون هذا في ولايتي أبداً. خرج أبو بكر منهن عند الموت وأردهن أنا علي عياله.. الموت أقرب إلي من ذلك.