القرآن الكريم الكتاب المنزل علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يشتمل علي إشارات ولمحات عديدة في مناحي الحياة كافة ومن الأشياء التي ذكرت في القرآن الكريم المعادن ولا شك أن للمعادن قيمة عظمي تقوم عليها الحضارات وتستمد منها سائر الصناعات. ومن تلك المعادن التي جاء ذكرها في القرآن الكتاب العزيز: "الحديد" 1- قوله تعالي: "آتوني زبر الحديد" سورة الكهف .96 2- قوله تعالي: " ولهم مقامع من حديد" سورة الحج .21 3- قوله تعالي: "يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد" سورة سبأ .10 4- قوله تعالي: "فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد" سورة ق .22 5- قوله تعالي: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" سورة الحديد .25 6- قوله تعالي: "قل كونوا حجارة أو حديدا" سورة الإسراء .50 والمتأمل في المواضع الستة التي جاءت في القرآن الكريم يجد أن هناك مواضع ثلاث جاءت فيها لفظة الحديد متعلقاً بالبناء الحضاري والعلمي للأمم وذلك في الآيات " آتوني زبر الحديد". "يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد" . "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس". وموقع جاء في العقوبات في الآخرة علي الذين كفروا بربهم "ولهم مقامع من حديد". وجاء موضع في معرض الرد علي الذين أنكروا البعث "قل كونوا حجارة أو حديداً. وموضع جاء للتعبير عن حدة البصر حينما يقترب الإنسان من لقاء ربه "فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد". وسوف أحاول بمشيئة الله تعالي أن أعرض لبعض تلك المواضع بشيء من التفصيل قلنا أن نصف هذه المواقع جاءت فيما يتعلق بالبناء الحضاري للأمم وذلك في قوله تعالي في سورة الكهف: " آتوني زبر الحديد" جاءت هذه الآية في معرض الطلب من ذي القرنين وأمره لمن أرادوا أن يعطوه مالا أن يعينوه بالقوة لأنه كان وافر المال والرزق وكان هذا حتي يساعدهم ببناء سد بينهم وبين يأجوج ومأجوج ليكون حصن يحمي به هؤلاء وسورا يقيهم من هجمات أعدائهم فعلي الرغم من وفرة المال لدي هؤلاء القوم الذين طلبوا العون من ذي القرنين إلا أن مالهم لم يحمهم من مهاجمة أعدائهم والحديد هو الذي من الممكن أن يوفر لهم هذه الحماية ثم شرع في تنفيذ ما طلبوه منه من عون فقال: "آتوني زبر الحديد" والمراد بالزبر القطع الكبيرة من الحديد وبعد أن ساوي بين جانبي الجبل طلب منهم أن ينفخوا في النار حتي تصبح قطع الحديد كالنار في توهجها واحرارها ثم طلب منهم أن يأتوه بالقطران والمراد به النحاس أو الرصاص المذاب والحديد والرصاص يزيدان السد صلابة ومتانة بطريقة محكمة وفي ذلك دلالة علي سبق القرآن وإشارته إلي وجود حضارات سابقة منذ القدم اهتدت إلي بعض ما اهتدينا إليه الآن وبذلك السد حيل بين يأجوج ومأجوج ونشر الفساد في الأرض. أما الموضع الثاني الذي جاء به الحديد ليعبر عن القوة والمتانة فجاء في قوله تعالي: "قل كونوا حجارة أو حديدا" جاءت هذه الآية في معرض أمر الله تعالي للجبال أن تخضع وتسبح مع سليمان وللطيور أن تترنم للتسبيح لله رب العالمين ومع هذا الخشوع المعنوي لتلك الجبال وتلك الطيور وهم يسبحان مع سليمان في هذا التناغم الرائع والسياق النور اني نجد أن القرآن يعرض للحديد في قوله تعالي: "وألنا له الحديد" وتبين العلة بقوله تعالي: "أن اعمل سابغات......" أي اجعل دروعاً مستوية الحلقات ومنتظمة حتي لا تخرقها السيوف ثم ذيلت الآية "واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير" وفي هذا المبدأ إصلاح للكون فالكون لا يعمر بالمباديء فقط ولذا فإن الله سبحانه وتعالي أمر سليمان وداود بعد أن اعطيا القوة أن يكونا مصلحين في الأرض. أما الموضع الثالث الذي جاء فيه الحديد في سورة سميت باسمه وهي سورة الحديد "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" وهذه الآية تضيف جديداً عن الآيتين السابقيتين حيث أشارت الآيتين السابقتين إلي استخدام الحديد في الدفاع وإقامة السدود كما في سورة الكهف أو في صناعة الدروع كما في سورة سبأ أما هذه الآية فقد جاءت في معرض الحديث عن القسط والعدل حيث أن الآية السابقة لها تقول: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان". فالآيات تبين العلة في ذلك ليقوم الناس بالقسط ثم تأتي آية "وأنزلنا الحديد......." لتبين أنه عدة الحرب والحرب هدم وكذلك عدة البناء والبناء رفعة لذلك فالبشر نوعان بشر يقتنع بالحجة ويناقش وبشر يحاول أن يهدم ما يبنيه المصحف فالنوع الذي يحاول هدما لا يجدي معه إلا الحديد ولذا ذيلت الآية بقوله: "وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز".