إذا كانت عواصم المحافظات في مصر ومدنها تمايز فيما بينها بما يحسنه أبناءها ويجيدون فيه من جوانب صناعية أو زراعية أو غيرهما. فإن هناك قاسماً مشتركاً بين أغلب القري والنجوع في تلك العواصم والمدن المنتشرة في ربوع مصر قاطبة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً فقلما تشذ قرية عن هذا المضمار الذي يفخر به كل صغير وكبير ألا وهو الاهتمام بكتاب الله المجيد.. فليس هناك ثمة شك في حرص أغلب قري مصر المحروسة علي الدفع بصغار أبنائها إلي محفظي كتاب الله من المشهود لهم بالكفاءة والإجادة في هذا المجال ليكون لهم حظ وافر من حفظ كتاب الله وتلاوته تلاوة صحيحة تفيدهم في دينهم ودنياهم علي حد سواء عملاً بقول الرسول صلي الله عليه وسلم : "من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن". ومحاولة من عقيدتي لإلقاء الضوء علي بعض هذه القري التي برزت في هذا الجانب وبرعت فيه وكان لها فيه شهرة وذيوع. انتقلت إلي قرية "الكلالسة" التابعة لمركز "قوص" بمحافظة "قنا" في جنوب الصعيد والتقت الشيخ أنور أمين يس وشهرته "أنور يس ريان" إمام وخطيب بالأوقاف وصاحب أحد أكبر الكتاتيب بالقرية حيث ورث مهنة تحفيظ القرآن عن والده الشيخ "أمين يس ريان" رحمه الله. فكان لنا معه هذا الحوار: *.........................؟ ** ورثت هذه المهنة المشرفة عن والدي رحمه الله الذي كان شاغله الشاغل وهمه الأكبر أن يجعل من قريتنا هذه قرية قرانية بمعني الكلمة.. فما يكاد يبغ أحد أبناء القرية ذكراً و أنثي سن الرابعة إلا وألحقه بالكتَّاب لدرجة أن المكان المخصص للحفظ لم يكن يستوعب الأعداد الغفيرة من المقبلين عليه.. فكان يقسم أبناء الكتاب إلي مجموعات في الصباح مجموعة وبعد الظهر مجموعة وهكذا وكل مجموعة تقسم إلي حلقات حسب الجزء الذي يحفظون فيه. *.........................؟ ** نعم بفضل الله وجهود الوالد حفظ عدد كبير من أبناء عائلتنا "عائلة ريان" القرآن الكريم كاملاً وأغلبهم تخرجوا في جامعة الأزهر الشريف فمنهم الإمام والخطيب ومنهم المدرس للعلوم الشرعية والعربية في المعاهد الأزهرية وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده فالله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين.. كما قال سيد الأنبياء وخاتم النبيين. شهرة واسعة *.........................؟ ** نالت قرية "الكلالسة" شهرة واسعة علي بقية قري مركز قوص في كثرة حملة كتاب الله من أبنائها حتي إن الكثير من أئمة مساجد المركز ممن ينتمون إلي هذه القرية المبارك أهلها بإذن ربها.. ليس هذا فحسب بل لنا من أبناء القرية من يؤدون رسالتهم كدعاة ومعلمين في محافظات أخري مثل القاهرة والإسماعيلية والبحر الأحمر الكثير ممن لايسع المقام لذكرهم.. ولقد برز من رجالاتهم في مجالات الشريعة والفقه الشيخ عبدالقوي الدويني والشيخ رمضان مصطفي وفي مجال اللغة وآدابها الشيخ عادل أبوالمجد والشيخ علي السنوسي ونجله شمس الذي يقوم بإعداد رسالة ماجستير عن "أبي فراس الحمداني" وفي مجال الخطابة الشيخ صابر جابر والشيخ رجب أبو الروس ولقد تقلد عدد غير قليل من أبناء القرية مناصب إدارية عليا في الأزهر والأوقاف أمثال الشيخ الصافي لبيب والشيخ محمود موسي والشيخ أحمد نصر الله والشيخ سعيد حمزة. *.........................؟ ** الكُتَّاب هو الأساس في حفظ كتاب الله حفظاً جيداً إذ يعتمد الطالب علي السماع مباشرة من شيخه ويقوم بترديد المقطع أكثر من مرة فيثبت عنده مخرج الحرف وكيفية نطقه بحيث لا يمكن أن يقع في اللحن خفية أو جلية. الحضانة القرآنية *.........................؟ ** دور "الحضانة" لا ينكره أحد فهي تقوم بتأسيس الطفل من الناحية التعليمية بحيث تساعده علي تعلم أبجديات القراءة والكتابة ومباديء الحساب الأولية.. ليكون مؤهلاً بعد ذلك للالتحاق بالمدارس الإلزامية وهذا أمر قد يقوم به من لديه الحد الأدني من التعليم.. أما تحفيظ القرآن الكريم فلابد أن يكون علي يد متخصصين عالمين بقواعد التلاوة وأحكامها. التوسع في الكتاتيب *.........................؟ ** المطلوب من مؤسستي الأزهر والأوقاف هو التوسع في إنشاء مكاتب التحفيظ الرسمية بحيث تفتح المساجد أبوابها للراغبين في حفظ كتاب الله من الكبار والصغار من الجنسين.. وذلك بالاستعانة بخطباء المساجد وأئمتها ومدرسي القرآن بالأزهر ووعاظ الأزهر.. خاصة بعد تحرر بيوت الله من تدخلات الأمن التي كانت عائقاً في ازدهار ونماء هذا الجانب.. ولمزيد من الجدية بجيث صرف "بدل مادي" لائق للمحفظ والحافظ معاً يكون بمثابة حافز علي الاستمرار وإتمام الأمر علي ما يجب أن يكون عليه.