ثم تحركت المؤامرة الدولية إلي تغريب مناهج الدراسة بالتعليم العام في معظم البلاد الإسلامية لطمس معالم المواد الدينية والتقليل من شأنها. ولتثبيط همم الطلاب عن دراستها والإقبال عليها. وذلك مثل عدم إضافة درجاتها إلي المجموع العام. وجعل دروسها في الساعات المتأخرة من النهار. أو تكليف أقل المدرسين كفاءة بأدائها. أو إخلائها من مضامينها الحقيقية إلي عدد من الموضوعات التعبدية أو السلوكية المحدودة حتي يتخرج المسلم حاصلاً علي أعلي الدرجات العلمية وهو لا يعرف الأحكام الشرعية اللازمة لفهمه للمعلوم من الدين بالضرورة. فضلاً عن فهمه لأصول دينه. وحتي هذا التمييع لم يكن كافياً عند غلاة اليهود والنصاري الذين بدأوا بالمطالبة بإلغاء كل من مراكز تحفيظ القرآن الكريم والمدارس والمعاهد والجامعات الدينية في العديد من الدول الإسلامية. مثل باكستان واليمن. وبتغيير مناهج الدراسات الشرعية في عدد آخر من تلك الدول. وإحلالها بدروس عامة في السلوكيات. ثم زادوا الطين بلة بانتشار الجامعات الأجنبية في مختلف دول العالمين العربي والإسلامي لفرق قيمهم الساقطة بالقوة. وبذلك شاع التغريب في ديار المسلمين. وضاع دور التعليم التربوي حين اقتصر علي نقل قدر من المعلومات أو علي التدريب علي عدد من المهارات فقط. وفي ظل هذا التغريب يصعب إعداد الجيل القرآني. 4- شيوع التغريب في الإعلام: يعرف الإعلام بأنه الفن والعلم الذي يقوم علي عملية الاتصال الإنساني بالترجمة الصادقة لفكر الأمة. وحضارتها. أي: عقيدتها. ونظم حياتها. وثقافتها. وروحها. وميولها. واتجاهاتها. وقضاياها. ومشاكلها. وتراثها وتطلعاتها المستقبلية. وواجب الإعلام حمل هذه الأمانة وتطويرها باستمرار حتي تتمكن الأمة من تحمل مسئولياتها كاملة. وذلك بنشر الحقائق والأخبار الصحيحة. والآراء والأفكار السديدة بين مختلف طوائف الأمة بالوسائل الإعلامية المختلفة. مثل الصحافة. الإذاعة المسموعة والمرئية. المسرح. السينما. شبكات المعلومات الدولية. المحاضرات. الندوات. المعارض. المؤتمرات. وسائل الاتصال والنشر المختلفة. وغيرها. ولخطورة هذا السلاح - سلاح الإعلام - الذي يصل إلي جميع طوائف الأمة. قدمت قوي الاستعمار كوادر مدربة من اليهود والنصاري ومن عملاء الاستعمار من أبناء جلدتنا ومكنتهم كي يقوموا بعمليات التغريب للقطاع الأكبر من أبناء وبنات الأمة. ونجحوا في ذلك من إقصاء الدين عن جميع وسائل الإعلام. ومن ثم نشر الفساد الاجتماعي. والتفسخ الأخلاقي والسلوكي. ونشر الأفكار المعادية للدين. حتي كاد الإعلام في الدول العربية والإسلامية أن يحاكي الإعلام الغربي في فحشه وخروجه علي حدود كل الأخلاق والآداب والأعراف الإنسانية. وذلك في المحتوي والأداء والأساليب. وإذا أضيف تغريب الإعلام إلي تغريب التعليم. وإلي تغريب كل من أنماط الحكم. والعادات الاجتماعية. والمعاملات الاقتصادية. والعلاقات الدولية وغير ذلك من السلوكيات الإنسانية. فكيف يمكن لنا أن نربي الجيل القرآني؟؟؟ 5- تضييع رسالة المسجد: اهتم المسلمون منذ مطلع العهد النبوي بالتعليم الذي انطلق من المسجد باعتباره المركز الأول لتعليم الدين ونشر الدعوة الإسلامية. فقد كانت مساجد المسلمين أماكن للعبادة. ومجالس للعلم. ومراكز للقضاء بين الناس. ولانطلاق قوافل الجهاد في سبيل الله. ولغير ذلك من أنشطة المجتمع المسلم. وتكفي في ذلك الإشارة إلي أن كبار العلماء والأئمة المسلمين تلقوا العلم في المساجد. ومن أمثلتهم: الإمام مالك بن أنس الذي تعلم في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم. والإمام أبوحنيفة الذي تخرج من مسجد الكوفة. والإمام الشافعي الذي تخرج من جامع الفسطاط. والإمام أحمد بن خليل الذي تخرج من مسجد بغداد. وغيرهم كثير. كذلك تكفي الإشارة إلي أن أقدم جامعات العالم قد نشأت في المسجد. وذلك مثل جامعة الفسطاط المعروفة باسم "الجامعة الأم" والتي أنشئت في مسجد عمرو بن العاص. وجامعات الزيتونة "التي تأسست في تونس سنة 79ه - 698م" والقرويين "التي أسست في مدينة فاس بالمغرب سنة 245ه - 859م". وقرطبة "التي أسست بالأندلس في منتصف القرن العاشر الميلادي". والأزهر الشريف "الذي أسس بالقاهرة سنة 361ه - 972م" قد نشأت كل هذه الجامعات وعلمت في المسجد. وكانت هذه الجامعات مراكز لدراسات العلوم علي اختلاف أنواعها الدينية والمكتسبة - العلمية والإنسانية. النظرية والتطبيقية - وكانت أول نماذج للتعليم الجامعي في العالم. وقد قامت هذه الجامعات الإسلامية بتخريج آلاف من العلماء الذين حملوا تراث الإنسانية - علي تعدد مصادره - وقاموا بنقده وتطويره وإثرائه والإضافة إليه إضافات أصيلة. ولازال بعض هذه الجامعات مستمراً في نشاطه إلي اليوم بعد انقضاء أكثر من ثلاثة عشر قرناً علي تأسيسها. وإذا قارنا هذا النشاط بدور المسجد اليوم. والذي لم يعد يتعدي فتح أبوابه لمجرد أداء الصلاة ثم إغلاقها. بل إن بعض بلاد العرب مثل تونس قد ابتدعت بدعة جديدة علي هيئة بطاقات ممغنطة لا تخول الإنسان بالدخول إلي لمسجد واحد في الحي الذي يقطنه. ولفترة أداء الصلاة فقط. فإذا ابتعد عن مسجده لأي طارئ فلا يجوز له الدخول إلي مسجد آخر. وإذا فقد بطاقته أو فقدت البطاقة ممغنطتها فلا مجال له للدخول إلي أي مسجد. وإذا أضفنا إلي ذلك تدني المستوي العلمي لخطباء وأئمة المساجد اليوم بصفة عامة. فإننا ندرك جانباً من جوانب تضييع دور المسجد في حياة المسلمين. وبضياعه تنتشر الأمية وتفقد الأمة رافداً من أهم روافد التربية الدينية فيها وتكوين الجيل القرآني.