عرضنا في الحلقات الماضية المعوقات الخارجية لتأهيل الجيل القرآني ودور أعداء الإسلام في نشرها.. وفي هذه الحلقات نشير إلي المعوقات الداخلية التي فرضها الاستعمار الغربي والتي نجملها في الآتي: 1- شيوع أمية القراءة والكتابة: فعلي الرغم من أن أولي آيات القرآن الكريم نزلت أمراً بالقراءة والكتابة. وتعظيماً لأدواتهما. واعتبارهما من أهم وسائل التسجيل والتدقيق والضبط والكشف العلمي ونشر الهداية والمعارف بين الناس. كما نزلت بتكريم العلم والعلماء إلا أن دول العالمين العربي والإسلامي المعاصر تضم أعلي نسب الأميين البالغين في العالم. وانحسر العلم في العالمين العربي والإسلامي المعاصرين انحساراً شديداً والقرآن الكريم يأمرنا فيه ربنا - تبارك وتعالي - بأوامره التي يقول فيها: "1" "اقرأ باسم ربك الذي خلق ہ خلق الإنسان من علق ہ اقرأ وربك الأكرم ہ الذي علم بالقلم ہ علم الإنسان ما لم يعلم" "العلق: 1- 5". "2" "ن والقلم وما يسطرون" "القلم: 1" "3" "والطور ہ وكتاب مسطور ہ في رق منشور" "الطور: 1- 3". "4" ".... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" "الزمر: 9". "5" ".... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات..." "المجادلة: 11". "6" "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" "البقرة: 269". ويخاطب الله - تعالي - خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم بقوله العزيز: ".... وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً" "النساء: 113". ويأمره - تعالي - بقوله: ".... وقل ربي زدني علماً" "طه: 114". وعلي الرغم من اهتمام المسلمين بالتربية والتعليم واعتبارهما الوسيلة الرئيسية لتعلم الدين وتربية الناشئة ولنشر الدعوة. ولكل من التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فأسسوا لذلك المساجد والمدارس. والمعاهد. والجامعات. والمراكز. والمكتبات. ووضعوا لها قواعد. ونظماً. ومناهج. وطرائق. وأساليب حتي لم يكد يطلع علي الأمة الإسلامية القرن الهجري الثاني إلا وقد قضي فيها علي الأمية بشقيها: أمية القراءة والكتابة. وأمية العقيدة. وعلي الرغم من ذلك فإن أمية القراءة والكتابة في العالمين العربي والإسلامي اليوم أصبحت وصمة عار في جبينهما. وسببا رئيساً لتخلفهما واستهدافهما من أعداء الله علي تعدد مللهم ونحلهم. فقد تخلفت الأمة الإسلامية مؤخراً عن هداية ربها وعن سنة نبيها حتي وصلت نسبة أمية القراءة والكتابة بين البالغين "فوق 15 سنة" من أبنائها وبناتها اليوم إلي حوالي "58%". فإذا كان تعداد المسلمين اليوم في العالم يقدر بحوالي المليار ونصف المليار. فإن معني ذلك أن هناك حوالي 870 مليون نسمة من أبناء وبنات المسلمين البالغين لا يحسنون القراءة والكتابة. وهؤلاء يصبحون فريسة سهلة للمنصرين وأصحاب الدعاوي المنحرفة إلا من رحم ربك. وتصل نسبة الأمية بين الإناث إلي حوالي 80% في بعض البلدان الإسلامية. وبين الذكور إلي ما فوق 56% وأمة هكذا شأنها لا يمكن لها أن تقوم بدورها في الدعوة إلي دين الله. 2- شيوع الأمية الدينية: ويقصد بذلك شيوع الجهل بالدين بين الغالبية من أبناء وبنات الأمة. وشيوع التوقف عن العمل له إلا من رحم ربك وقليل ما هم. والعلم بالدين من ضرورات تمكين الإنسان من القيام بأداء رسالته في الحياة والمتمثلة في كل من عبادة الله بما أمر وحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله فيها. وهذا العلم واجب علي كل مسلم لأنه هو الذي تصح به العقيدة. وتقبل العبادات. وينضبط به كل من الأخلاق والسلوك والمعاملات. وتتحدد تفاصيل الحلال والحرام. وإذا لم يحظ المسلم به تعذر عليه أن يكون من أبناء الجيل القرآني أو أن يسهم في تكوينه. والمتأمل في أحوال العالم الإسلامي المعاصر يجد أن جماهيره - في غالبيتها - تجهل الكثير من شرائع الإسلام. ومن أصول الحلال والحرام التي هي من فروض العين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهذه الأمية الدينية جاءت مع زحف الاستعمار الغربي والشرقي علي غالبية دول العالم الإسلامي. وفي ظله تم إلغاء المرجعية الدينية التي يرجع إليها الناس. كما تم تغريب الأمة عن دينها خاصة في مجال المعاملات حين سادت أحكام القانون المدني وغيب شرع الله. فانتشرت البنوك والمعاملات الربوية بمختلف أشكالها. وسيطرت سيطرة كاملة علي ثروات البلاد وعلي تجاراتها الداخلية والخارجية. وانسحبت عمليات التغريب علي كل أنشطة المجتمع حتي لم يبق للمسلمين من شريعتهم إلا قانون الأسرة المعروف باسم "قانون الأحوال الشخصية". وحتي هذا بدأت محاربته بإلغاء المحاكم الشرعية. وتزايدت الهجمات عليه بإلغاء بنود أساسية في قانون الأحوال الشخصية في بلاد مثل تونس والمغرب. تحت ضغوط الغرب وعملائه في المنطقة. وذلك مثل تحريم تعدد الزوجات وتقييد الطلاق وإلغاء قوانين المواريث وغيرها. وبمرور الزمن نشأت أجيال في العالمين العربي والإسلامي لا تعرف من دينها سوي العبادات التي شابها كثير من الغبش وسوء الفهم وضعف الأداء. أما باقي جوانب الشريعة الإسلامية - وفي مقدمتها تشريعات الجنايات والحدود - فقد غابت من المجتمع. وبغيابها غاب عن أذهان أكثر المسلمين أنها من صميم الإسلام. وهذا هو المقصود بالأمية الدينية. 3- شيوع التغريب في التعليم: كان الهدف من إدخال التعليم المدني إلي الدول الإسلامية هو محاربة التعليم الديني. وإحداث ازدواجية في تعليم أبناء وبنات المسلمين تنتج علي أحد الجانبين متخصصين في العلوم الشرعية واللغوية لا علاقة لهم بالمعطيات الكلية للعلوم البحتة والتطبيقية فتعزلهم عن عصرهم عزلاً كاملاً. وعلي الجانب الآخر تنتج متخصصين في الدراسات المدنية مثل الدراسات الإنسانية. ودراسات العلوم البحثة والتطبيقية "الطب. والهندسة. والعلوم. والزراعة. والطب البيطري. والصيدلة. وغيرها" لا علاقة لهم بالدراسات الدينية ولو بالقدر الذي يسمح لهم بالمعارف الضرورية من الدين. وبذلك تعزلهم عن دينهم عزلاً كاملاً لولا وجود بعض بقايا التعاليم الدينية في بعض البيوت المسلمة المحافظة.. ولم تكتف القوي المعادية للإسلام بذلك. بل تدنت بمرتبات خريجي الدراسات الدينية والشرعية من أجل الانحطاط بمستوياتهم الاجتماعية وصرف الناس عنها وتزهيدهم فيها.