يجب أن نحدد بدقة من هؤلاء الذين ننعتهم بأنهم يكنون ويحملون ويختزنون لنا شعور الكراهية؟ ولا يكفي أن نقول إنه أو إنهم "الغرب" تعميماً. ذلك أن الغرب أمم وشعوب وملل ونحل أحياناً ما يفرق بين بعضها أكثر مما يجمعها. وإلي عهد قريب دارت بينها الحروب شعواء. فهل أصبح هؤلاء علي الرغم مما بينهم يجتمعون ويجمعون علي كراهيتنا؟ وحتي لو قلنا إننا نتحدث عن "الاتجاه السائد" لدي الأغلبية العددية. فإن قدراً من التخصص قد يفيد. لأن كل تعميم خطأ. فحين نقول "الغرب" قاصدين أوروبا وأمريكا الشمالية. فإن الأولي فيها شرق وغرب ووسط. وفيها شمال وجنوب. وأبناء الشمال يندر إلي وقت قريب أن يري الواحد منهم عربياً أو يقرأ عن الإسلام. طوال حياته وبجانب هؤلاء. هناك أوروبيو البحر المتوسط: الطليان. اليونان. الأسبان. وبعض أهل البلقان والفرنسيون.. والجميع أكثر أكثر اتصالاً بنا. وأكثر احتكاكاً ومعرفة. ومنهم بعض أوروبيي الاستعمار والاحتلال والغزو الذي اكتوينا بنيرانهم بشكل مباشر وهناك دول أوروبية لها في الاستعمار صيت وتاريخ ولكنها لم تحتك بنا كثيراً مثل الهولنديين. التحديد والتخصيص هنا مطلوب ومفيد. وهل يمكن تفسير الموقف الراهن باعتباره تعبيراً عن كراهية وعداء متأصلين ضد الإسلام والمسلمين؟ أم أن هناك تفسيرات وأسباباً أكثر عمقاً لتفسير ما يجري علي الساحة الدولية؟ إن الشواهد التاريخية فيها ما يؤكد علي الكراهية المتأصلة بين الغرب والإسلام والتآمر ضد المسلمين. نجده واضحاً مؤكداً في حقائق التاريخ حيث الحروب الصليبية والقضاء علي الإمبراطورية العثمانية. وإلغاء الخلافة ونهب الثروات الاقتصادية فترة المد الإمبريالي تلك الشواهد تستدعي دائماً لتأكيد مقولة العداء الغربي المتأصل للإسلام والمسلمين.. لكن مقولة العداء الأصيل تلك لا تشرح لنا علاقات "الصداقة" بين "الغرب" وكثير من الأنظمة السياسية في العالم الإسلام خصوصاً تلك التي تعتبر نفسها ويعتبرها الكثيرون في الغرب والشرق علي السواء أنظمة "إسلامية". والتحالف الائتلافي الأمريكي للقضاء علي الشيوعية. وهذا التحالف هو الذي سمح للإرهاب بتكوين "قاعدته" في أفغانستان. وذلك حين لم تمانع كل الأنظمة السياسية من السماح للمجاهدين الإرهابيين محلياً بالسفر إلي أفغانستان. في جذور الفلسفة الأمريكية يمكن أن نلتمس أسباباً لهذا الحرص علي نصب عدو ما يكون جاهزاً حين تتعرض الأمة الأمريكية الناشئة التكوين والهشة التاريخ والقابلة للتشظي لخطر ما حقيقي أو وهمي.. إن نمط التفكير الأمريكي مبني معرفياً علي أساس الفلسفة البراجماتية. وهي فلسفة تركز علي مدي "الفائدة" العملية المباشرة للأفكار. فالفكرة تكون صحيحة إذا كانت فقط "نافعة". وتكون علي العكس "زائفة" إذا لم يكن لها مردود نفعي مباشر. وهي فلسفة تبالغ في ربط "مفهوم الحقيقة" ربطاً مباشراً بالفائدة العملية أو "تحقيق المنفعة". ولما كانت فكرة أن "الإسلام عدو" فكرة نافعة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزوال خطر التحدي الشيوعي سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً. فقد أصبحت الفكرة "حقيقة" بقدر ما تحققه من نفع.. أما لماذا يحتاج الواقع الأمريكي إلي "عدو"؟ فهذا سؤال آخر يجد إجابته في التكوين التاريخي لهذا المزيج المعقد من الجماعات والمصالح والصراعات. لذلك أصبح الإسلام في حصار يشمل كل ما هو إسلامي ويتهم كل ما هو إسلامي. ويدمر ويسارع أعداء الإسلام لقتل وإبادة المسلمين وتدمير بلادهم ونهب ثرواتهم. والأحداث أمامنا خير دليل. والشواهد من أفعال وأقوال حكام الغرب بقيادة القطب الأوحد تؤكد هذا العداء. الذي ظهر جلياً في الآونة الأخيرة وكشف عن نفسه في أفغانستان وفي فلسطين.. وأخيراً في العراق.. إن الغرب بامتلاكه القوة. أصبح ينظر نظرة هيمنة واستعلاء. ويري أن جميع الأيديولوجيات لا وجود لها. لأنه لا يري إلا نفسه. ولا يعمل إلا لمصلحته. وعلي حساب الآخرين خاصة المسلمين. وهو يسعي لفرض ثقافته علي العالم. وبالتالي فهو يسعي لهدم قواعد عقيدتنا حتي تتجاوب مع مبادئه العلمانية. ووسيلته في ذلك التدخل في شئون المجتمعات الإسلامية. تارة بالتهديد والوعيد. وأخري بالحروب واتهام المسلمين بالعنف والإرهاب.