كثر الجدل حول الاقتراض من الخارج ..وتعارضت الفتاوي بين الحلال والحرام من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق حول البدائل التي يمكن الاستغناء بها عن الاقتراض بالفوائد الربوية ؟ وما هو المخرج المتاح من الأزمة الاقتصادية الحالية التي جعلت الحكومة تلجأ للاقتراض من البنك الدولي والعديد من الدول الأجنبية بشروط بعضها فيه إجحاف إلا أنه كما يقولون ¢المضطر يركب الصعب ¢ وخاصة أن الحكومة كانت بين خيارين أحلاهما مر في ظل تجاهلها للعديد من الحلول الاقتصادية الإسلامية. التمويل الإسلامي هو الحل لكثير من مشكلاتنا الاقتصادية التي تسببت في اللجوء إلي الاقتراض الربوي هكذا بدأ الدكتور يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي - جامعة الأزهر كلامه مستشهدا باعتراف المفكرين الاقتصاديين الغربيين بأهمية الأخذ بأساليب التمويل الإسلامية لتكون بديلا عن القروض الربوية وغيرها من المعاملات الوهمية التي تمثل السبب الرئيسي في الديون للدول والأفراد ونادوا صراحة بالتوجه نحو الاقتصاد الإسلامي لعلاج الأزمات فمثلا اقترح الاقتصادي الفرنسي الشهير ¢ موريس آلي ¢ الحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 1988 للخروج من الأزمة وإعادة التوازن الاقتصاد العالمي ضرورة تعديل معدل الفائدة إلي حدود الصفر وهو ما يتطابق تماما مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي القاضية بتحريم الربا أو التعامل بالقروض الربوية سواء علي مستوي الأفراد أو الدول لمنع التلاعب الاقتصادي والبعد عن المضاربات الوهمية غير المشروعة ويتم الاعتماد علي التمويل الإسلامي الذي فيه صلاح البلاد أو العباد وكذلك الفت الباحثة الإيطالية ¢ لوريتا نابوليوني ¢ كتابا أوضحت فيه أهمية التمويل الإسلامي ووصفته بأنه القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال بل وأكدت أن البنوك الإسلامية إذا تم تطويرها ودعمها ستكون البديل المناسب للبنوك الغربية الربوية ويمكن للعالم كله - وليس المسلمين فقط - الاستفادة منها. وعرض الدكتور يوسف ابراهيم لبعض أدوات أو صيغ التمويل الإسلامي التي إذا تم تفعيلها أن نستغني بها عن الاقتراض الربوي أهمها صيغة المشاركة وهي بين اثنين أو أكثر علي أن يكون المال والعمل من كل منهما بقصد الربح الحلال نتيجة انتاج وعمل حقيقي يستفيد منه الاقتصاد لان كل الأطراف تقوم بالاستثمار بنسب مختلفة وتوزع الأرباح أو الخسائر حسب حصته أو نسبة كل طرف في رأس المال ويعتبر التمويل بالمشاركة الأكثر ملاءمة لتمويل المشروعات وبديلا تمويليا لنظام الفائدة. كما ان هناك صيغة المضاربة وهو عبارة عن عقد شراكة في الربح بين طرفين يقدم الأول مالا ويسمي رب العمل إلي الثاني الذي يقدم الجهد أو العمل ويتم الاتفاق علي اقتسام الربح من المضاربة حسب النسب المتفق عليها إذا تحقق وإن ظل رأس المال كما هو عليه لم يزد ولم ينقص لم يكن لصاحب المال إلا رأس ماله وليس للمضارب أي شيء وفي حالة الخسارة فإن صاحب المال يتحمل ذلك وحده ولا يمكن تحميل العامل خسارة رأس المال لأنه يكون قد خسر الجهد والوقت وألا تتحول العملية إلي إقراض من صاحب رأس المال للعامل كما أن هناك صيغة المرابحة وتعتبر من عقود البيوع أو بيوع الأمانة وهي عقد بيع برأس مال وربح معلوم و يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشتري به السلعة ويشترط عليه ربحا و يشترط فيها معرفة الثمن الأصلي للسلعة. كما ان هناك صيغة السلم وصيغة الاستصناع وصيغة المزارعة وصيغة المساقاة وهي تصلح للمشروعات الصغيرة التي تشتغل في القطاع الصناعي والزراعي. الدكتور يوسف إبراهيم كلام يشدد علي أهمية الاستفادة من تجربة الدول الآسيوية في المشروعات الصغيرة التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا في النهضة الاقتصادية المصرية وتحل مشكلتي البطالة والفقر اللتان تعاني منهما مصر وتؤكد الدراسات الاقتصادية الدولية أن فكرة المشروعات الصغيرة أسهمت بشكل كبير في نهضة اقتصاد الدول الكبري مثل الولاياتالمتحدة التي تشكل المشروعات الصغيرة فيها 96% من عدد المشروعات حيث يبلغ عددها نحو 13 مليون مشروع يعمل فيها أكثر من نصف العاملين في الولاياتالمتحدة أما في اليابان فإن المشروعات الصغيرة يبلغ نحو 99% من عدد المشروعات فيها ويعمل بها 84% من إجمالي العمالة اليابانية وهذا يتم رغم أن الدولتين شهيرتان بالصناعات الثقيلة إلا أن هناك الصناعات الإنتاجية المتكاملة فيما بينها الزكاة والأموال المهاجرة. طالب الدكتور محمد عبد الحليم عمر .. الأمين العام للمؤسسة المصرية للزكاة وأستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر بضرورة الاستفادة من الآليات الاقتصادية التي يحققها التطبيق الواعي والحقيقي للزكاة والوقف الخيري للمساهمة في التنمية الاجتماعية وخاصة أن هناك تجارب عملية في بعض الدول العربية والإسلامية يمكن دراستها والاستفادة منها مثل بيت الزكاة الكويتي وكذلك تجربة ماليزيا وكذلك الاطلاع علي المشروعات والدراسات المصرية في كيفية الاستفادة من الزكاة وتوظيفها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية مما يخفف من الأعباء علي موازنة الدولة ويقلل من مجرد التفكير في اقتراضها من الخارج بقروض ربوية أو علي الأقل عليها شبهة من الناحية الشرعية. وتطرق الدكتور عبد الحليم عمر الي أهمية جذب الاستثمارات من الدول العربية والإسلامية وكذلك الاستثمارات الأجنبية وفق الضوابط الشرعية التي تكفل حماية أموال المستثمر وحقوق الدولة والعاملين وهذا لن يتأتي إلا في ظل عودة الأمن والأمان لأن رأس المال جبان ولن يستقر فيها قلاقل سياسية ويفتقد المواطنون للأمن وكذلك لابد من الاستفادة من رؤس الأموال المصرية المهاجرة بخلق بيئة صالحة لعودتها للاستثمار في وطنها الأصلي وتقديم امتيازات لهم وخاصة أن كثيراً منها هرب بسبب القهر والظلم والفساد الذي رعته الأنظمة السابقة ضد مصالح الشرفاء وخاصة الرأسماليين منهم الذين حققوا نجاحا كبيرا وهذا بلا شك سيوفر كثيراً من العملات الصعبة التي نستورد بها السلع والخدمات التي يمكن إنتاجها محليا ويقلل من اللجوء للاقتراض من الخارج إذا وصلت الدولة الي مرحلة الاكتفاء الذاتي والاعتماد علي النفس. وحذر الدكتور عبد الحليم عمر من استمرار ما كان سائدا في كثير من مؤسسات الدولة حيث كان يتم الكسب بلا عمل أو جهد حقيقي مثمر مما يسهم في تنمية موارد الدولة ويقلل من الاعتماد علي الخارج سواء من خلال القروض أو حتي المساعدات والمنح التي لاترد ولكن يكون لها ثمن من إرادة الدولة وقرارها السياسي ومواقفها الدولية وكذلك ضرورة التصدي للمعاملات الاقتصادية الوهمية والصورية في البورصة علي سبيل المثال لأنها لا تحقق أي تنمية اقتصادية حقيقية بل إنها تستنزف موارد الدولة وتضيع طاقاتها لأنها في الحقيقة أساليب كسب غير مشروع تفيد أفراد وتضر بمصلحة الوطن وذلك لما تتضمنه من مضاربات ومقامرات. أصلحوا خزائن الأرض يعد الدكتور حسين شحاته من أكثر خبراء المحاسبة المهتمين بالقضايا الاقتصادية الإسلامية اعتراضا علي الاقتراض الربوي وخاصة علي مستوي الدول العربية والإسلامية التي أمرها الشرع بالابتعاد عن الربا وقدم البدائل المشروعة المتاحة للاقتراض بفائدة من منظور الاقتصاد الإسلامي وجاء في مقدمتها زيادة الموارد المصرية وما أكثرها وخاصة أن مصر وصفها القرآن بأنها ¢ خزائن الأرض ¢ مما يعني أن مواردها بلا حدود والمهم استثمارها مما يساعد عن الاستغناء عن الاقتراض بفائدة ربوية من الخارج. وعرض الدكتور شحاته إلي العديد من البدائل العملية للاقتراض الربوي من الخارج ويأتي في مقدمتها إصلاح البيت من الداخل وإغلاق منافذ السفه والإسراف والسرقة والاختلاس وترشيد الإنفاق الحكومي وهو ما يطلق عليه النفقات العامة والتركيز علي الضروريات والحاجيات والتي تهم أكبر طبقة من الفقراء الذين هم دون حد الكفاية و الاستغناء مؤقتا عن المشروعات الترفيهية او الكمالية لحين ميسرة. وأوضح الدكتور حسين شحاته الي أهمية تطبيق فقه الأولويات الإسلامية وهذا يتطلب إعادة النظر في هيكلة الموازنة وسياسات الاستيراد من الخارج لسلع كمالية يمكن الاستغناء عنها مؤقتا واتخاذ وسائل جادة وعملية من خلال سلسلة من التشريعات الحازمة والصارمة لمحاربة كل أشكال الفساد المالي والاقتصادي المستشري في ربوع المؤسسات الحكومية. وخاصة المحليات التي تعد بؤر الفساد الاقتصادي والإداري والسرقة بكل أشكالها والرشوة والاختلاس والتكسب من الوظيفة والعمولات الوهمية والاحتكار ذي النفوذ السياسي والكسب بدون جهد والتزوير والتزييف وكل أشكال الفساد ما ظهر منها وما بطن ولن يتم ذلك ويتحول إلي واقع حقيقي يقلل من الفساد الاقتصادي وإهدار الموارد إلا من خلال إعادة النظر في قوانين الرقابة وتغليظ العقوبات مما يحافظ علي موارد الدولة والتي تستنفذ فيما لاطائل منه وخاصة أن السكوت علي الفساد يؤدي إلي مزيد من الفساد وكذلك لابد من ضم موارد الصناديق الخاصة إلي موارد الموازنة العامة مما يضيف إلي موازنة الدولة المليارات والتي كان يستولي عليها المفسدون في مصر و معظم هذه الموارد توجه إلي أناس بعينهم كمجاملات غير مشروعة ولأغراض حزبية لا تعود علي الوطن بشيء. وطالب الدكتور حسين شحاته بتطبيق نظام الضريبة التصاعدية علي الأغنياء وإعفاء الفقراء دون حد الكفاية من الضرائب الظالمة وإعادة النظر في ضريبة المبيعات بحيث يزيد عبؤها علي السلع والخدمات الكمالية ويخفف عبؤها من علي السلع والخدمات الضرورية التي تهم الطبقة الفقيرة مما يساهم في زيادة حصيلة الضرائب بدون عبء علي الفقراء.وتطبيق نظام الحد الأدني والحد الأقصي للأجور بما يحقق العدالة الاجتماعية بمعني ألا يقل الحد الأدني عن تكلفة الحاجات الأصلية للحياة الكريمة للإنسان وتحول المغالاة في الحد الأقصي إلي الفقراء وهذا سوف يساهم في علاج عجز الموازنة وكذلك إعادة النظر في سياسات الدعم والذي يستفيد منه الأغنياء ولا سيما كبار رجال الأعمال والذي لا يصل إلي الفقراء مثل دعم الطاقة ودعم الكماليات مما يوفر مبالغ كبيرة تساهم في تنمية الموارد. تحري الحلال تطرق الدكتور إسماعيل شلبي استاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق إلي نقطة جوهرية وهي أهمية تحري قيادات الدولة وأفرادها الحلال في كل المعاملات الاقتصادية سواء علي مستوي الأفراد أو الحكومات مع الثقة أن الله سيكفيهم إذا اخذوا بالأسباب التي تقودهم إلي الحلال المرتبط بالبركة التي ذكرها الله -عز وجل في قوله ¢وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتي مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ¢. وقوله ¢فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَي . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا¢. إذا نظرنا إلي التاريخ الإسلامي سنجد أن الله كفي المؤمنين الذين يتحرون الكسب الحلال والإنفاق فيما يرضي الله نتيجة البركة في موارد البلاد وهداية العباد. وطالب الدكتور إسماعيل شلبي بتفعيل دور البنوك الإسلامية ومختلف المؤسسات الاقتصادية الإسلامية الدولية وخاصة البنك الإسلامي للتنمية لدعم البرامج الحكومية التي تستهدف تنمية الصناعات الصغيرة للمشاركة بنسبة في تمويل هذه البرامج علي أن يكون الاسترداد بعد فترات طويلة ويتم استخدام تلك الاموال في تمويل مشروعات البنية الأساسية وليس الصناعات الصغيرة فقط وأن يتم إنشاء صندوق لتنمية الصناعات الصغيرة في مصر بتمويل مشترك من الحكومة والبنوك الإسلامية في مصر بالإضافة إلي الشركات والأفراد الراغبين ويمكن أن يتم التمويل عن طريق إصدار صكوك إسلامية. احذروا الربا قال الدكتور محمد عبد اللطيف قنديل الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية إلي انه يجب الابتعاد عن القروض الربوية ما استطعنا إلي ذلك سبيلا وأن يطبق فقه الضرورة بالضوابط الشرعية للاقتراض بفائدة في اقل الحدود وللضرورة القصوي تطبيقا لقول الله¢فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغي وَلاَ عَادي فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ¢ ووفقا للقاعدة الشرعية ¢الضرورات تبيح المحظورات¢. وطالب بضرورة أن تتكامل الدعوة العربية والإسلامية اقتصاديا بحيث تساعد الدول الغنية الدول الفقيرة او تقدم لها منحا أو قروضا حسنة لأن نهضة الدول الإسلامية يعيد لنا الأمل في نهضة إسلامية كبري لن تتحقق إلا طبقنا قوله تعالي ¢ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ¢ . اما اذا استمر تقاعسنا فإن العقاب قد حدده الله في قوله تعالي ¢يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ¢.