الإنسان لا يعيش حياته علي وتيرة واحدة. لأن مايصفو له اليوم قد يري غيره أحسن منه غداً. وهذه أمور تخص الناس جميعاً. حيث تختلف أمزجتهم وأهواؤهم. مع تطور الزمان والمكان. وما يراه ويحبه الإنسان في زمن ما قد يكرهه في زمن سابق أو لاحق. وكذلك المكان. فبعض الناس يجب ان يري منزله في مكان ما بجوار الحدائق أو الانهار. أو الطريق العام. أو قريبا من بيت العظماء والنبلاء. والبعض الآخر يفضل العيش بين البسطاء. وأواسط القري. وللناس فيما يحبون ويعشقون مذاهب إلا أن سنة الحياة التي هي سنة الله في خلقه. ولن تجد لها تبديلا ان الظروف والعمل المكلف به الإنسان. أو الرسالة التي اصطفاه الله بها تحتاج منه في بعض الأحيان ان نحب مكاناً آخر. غير الذي وجد فيه!! ويتمني ان يتحقق أمنيته!! والمصطفي صلي الله عليه وسلم هاجر إلي المدينة من مكة علي غير ما يرضي. بعد ان لقي بها هو وأصحابه من أذي المشركين. وعنتهم. وبغضهم لدينه الذي زعموا أنه يسلبهم العظمة والجاه. ويسوي بينهم وبين بسطاء الإسلام كبلال بن رباح وصهيب الرومي. وسلمان الفارسي. ولقد كان أذي اليهود والمنافقين بالمدينة أشد وأنكي. فافتروا عليه الكذب. وتقوَّلوا عليه الأقاويل. ونسبوا إليه مالم يصنع. فأحلوا مالم يحل. وحرموا مالم يحرم. وذلك العمل جرأة واسعة وظلم عظيم. لأن التحليل. والتحريم شيء لا يملكه إلا الله. الذي يعلم السر وأخفي والضار من النافع والمفسد ممن المصلح. والذي خلق الأشياء وأوجدها هو العليم بخصائصها وعناصرها. وتكوينها. وتركيبها!! واليهود قوم أكل قلوبهم الحقد. والحسد علي الإسلام الناشئ الفتي الذي ظنوا أنه سيذهب بهيبتهم. ويطيح بملكهم بعد ان جهزوا التاج وكرسي العرش لعبدالله بن ابي بن سلول زعيم المنافقين بالمدينة. وإذا بهم يرون انقلابا إلهيا علي هذا الملك الذي بني علي شفا جرف هار وأزاحه نور الإسلام الزاحف من مكة إلي يثرب ليجد مكاناً أرحب ومتنفسا أوسع لدعوته. وحصناً آمنا لأصحابه من المهاجرين. والوبل لكل مصلح جديد من أذناب الفساد القديم. وأنصار التقليد الجامد. واتباع لجهل المعروف. فسوق يذيقونه العذاب ألوانا. ويجرعونه الغصص اشكالا ويكبدون له ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا وكذلك كان الرسول صلي الله عليه وسلم. واليهود بالمدينة. محمدية بعد موسوية. وإسلامية بعد يهودية. وعربية بعد عدائية. وقرآن بعد توراة. والمسجد الحرام قبلة الناس بعد ان كان المسجد الأقصي. وبيت اسماعيل مهبط الوحي. بعد ان كان بيت إسرائيل. والعاصمة يثرب بعد ان كانت فلسطين. فشعروا أن هناك مجداً يهدم. وسلطاناً يحطم. وعز أبيد. ونجم يشرق وآخر يغرب. ودولة تقوم. وأخري تسقط. ودين يخلد علي حساب دين. فماذا يفعل اليهود إذاً؟؟ أيسلمون قيادة الدنيا لمحمد لقمة سائغة؟! أم يضرمونها حرباً شعواء. وكانت الثابتة أقرب إلي طباع اليهود!! هذا ما يتراءي لليهود والمنافقين في محمد صلي الله عليه وسلم وأصحابه أما هو فقد أراد أن يستل سخيمهم. ويذهب ما بقلوبهم نحوه من إحن. وأن ينزل في بعض الأحيان علي إرادتهم. تأليفا لقلوبهم. وقضاء علي غيظهم. فتوجه إلي قبلتهم ببيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهراً رغم ما كان يدور بخلده. ويمر علي فؤاده وخاطره إشباعا لفطرته وهي حب البيت الحرام سقط رأسه. ومسرح صباه. وشاغله في شبابه. ومكان عمله حتي اصطفاه ربه. ورغم أنه لم ينطق بهذه الأمنية. ولم تجاوز خاطره. بل كان يقلب وجهه في السماء وآملا ان يوليه ربه قبلة يرضاها!! لم يرض ذلك المشركون بمكة حيث قالوا اشتاق محمد إلي مولده. وعن قريب يرجع إلي دينكم بل ربما لم يرض اليهود والمنافقون بالمدينة فقالوا النبي عليه الأمر فكما ان تحققت أمنية قلبه. ومهوي فؤاده. وقلب وجهه في السماء سارع السفهاء إلي القول: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. قل لله المشرق والمغرب. يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" "آية 142" البقرة.. وهكذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم علي قدر مع شهر شعبان الهجري. والذي كان يحب الصيام فيه أملا ان يرفع عمله وهو صائم. فاستجاب له ربه. وحقق له مأربه. وقضي له وطرا لم ينطق به لسانه. ولم يجاوز تقلب وجهه في السماء. فخاطبه محققا رغبته. مؤكدا أمنيته. قائلا له: "فول وجهك شطر المسجد الحرام. وحيث ما كنتم. فولوا وجوهكم شطره" "144 سورة البقرة". ولنا إطلاله سريعة علي هذه المناسبة العظيمة التي اختص الله سبحانه وتعالي بها المسلمين في شهر رجب. وهي تحول المسلمين بقيادة محمد صلي الله عليه وسلم عن بيت المقدس في الصلاة إلي بيت أبيه ابراهيم. والكعبة المشرفة بعد حنين إليها دام ستة أو سبعة عشر شهراً. واختلف الأئمة في مكان تحويل القبلة. فقال مالك عن ابن عمر في معني حديث رسول الله فاستداروا إلي الكعبة. وروي البراء ان التحويل كان في صلا العصر. وقبل في مسجد بن سلمة في صلاة الظهر. وسمي مسجد القبلتين.. وقيل انه في غير صلاة. والمهم ان شهر شعبان كان مناسبة طيبة لنبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم وأمته بتحويل القبلة إلي مكة والبيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس. وأمناً.. والله ممن وراء القصد وهو المستعان!!