جدل واسع أثارته معالجة الفضائيات الدينية للأحداث الساخنة في الفترة الأخيرة وخاصة الأحداث الدموية العباسية وما صاحبها من إراقة دماء الأبرياء بسبب سوء تصرفات بعض أنصار التيار السلفي والفتاوي التكفيرية التي تدعو الي الجهاد واقتحام وزارة الدفاع والقبض علي أعضاء المجلس العسكري وقتلهم لأنهم خرجوا علي الملة ويجب شرعا الجهاد ضدهم حتي ولو ادي ذلك الي مزيد من الدماء لأننا في معركة نتيجتها¢ اما النصر أو الشهادة وهذا ما أدي الي اعتزال الدكتور وسام عبد الوارث رئيس مجلس إدارة قناة "الحكمة" التي أذاعت تلك الفتاوي في حين قرر الشيخ محمد حسان رئيس قناة ¢ الرحمة ¢ منع التغطية السياسية للأحداث والاكتفاء بالطابع الدعوي للقناة. انتقد الدكتور عبدالله النجار ..عضو مجمع البحوث الإسلامية سوء تصرف بعض الممثلين للتيار الإسلامي من أنصار ابو إسماعيل ومن علي شاكلتهم من ذوي الفتاوي التكفيرية قائلا : اجزم أن الشيء الوحيد الذي نجح فيه هؤلاء هو الإساءة للإسلام وتخويف المسلمين من تولي الإسلاميين دفة الحكم لأنهم لم يبلغوا درجة النضج والوعي السياسي الكافي الذي يؤهلهم ليقودوا دويلة صغيرة وليس دولة كبري بحجم مصر في ظل المشكلات العديدة التي تعيش فيها. أشار إلي أن هذه المواقف غير المسئولة أدت إلي تقسيم ممثلي التيار الإسلامي الي جزر منعزلة متصارعة في بعض الأحيان وممزقة مع أنهم يدعون انهم يمثلون الدين ويعملون علي إعلاء مصلحة الأمة علي مصلحة الأفراد ومن المؤسف أن تصرفاتهم تؤدي للعكس وإلا كيف نفهم قوله تعالي "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةي مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" آية 103 سورة آل عمران . ومن المؤسف أنهم يعملون عكس ذلك وفي نفس الوقت نجدهم يقرأون ليل نهار قوله تعالي ¢وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ¢ اية 46 سورة الأنفال . ومع هذا نجدهم يبحثون عن التمزق والتفرق ويتشبثون به وكأنهم يتعبدون الي الله به. أوضح الدكتور النجار أن هذا التمزق انعكس سلبا علي الفضائيات الإسلامية التي تحولت الي أداة تستخدم لمزيد من التمزق فهذه قنوات تناصر هذا التيار أو تلك الجماعة وتدعي أنها المتحدثة حصريا باسم صحيح الإسلام وعلي الجانب الآخر نجد قنوات تعارض الأولي وتدعو لانتخاب المرشح لأنه يمثل الإسلام ووصل ببعضها إلي تأثيم من ينتخب غير مرشحها وكأنه نزل بذلك قرآن كريم أو سنة نبوية مع أن القضية برمتها اجتهادية وكل ناخب من حقه انتخاب من يراه الأنسب لقيادة المرحلة القادمة بصرف النظر عن كونه ينتمي إلي التيار الإسلامي أو لا دون دخول للدين في تلك القضية بنص شرعي. ودعا إلي الفصل بين الإسلام وبعض تصرفات بعض الحمقي المنتسبين للتيار الإسلامي والذين يسيئون اليه وينفرون منه لدي غير المسلمين وإلا كيف نفسر اعتصامات لدي مرشح بعينه والتعصب له سواء بالحق أو الباطل وتعطيل مصالح الناس حتي يصل الأمر إلي إراقة الدماء وترويع الآمنين وخروج فتاوي ما انزل الله بها من سلطان عبر فضائية إسلامية بتكفير أعضاء المجلس العسكري والدعوة إلي اقتحام مقر وزارة الدفاع والقبض عليهم وذبحهم في حين يخرج داعية آخر عبر فضائية أخري لقول "حيا علي الجهاد.. خرجنا الي ميدان العباسية لنيل احدي الحسنيين ..النصر أو الشهادة ". لهم العذر ولكن علي جانب آخر يري الدكتور طارق الزمر ..رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية أن القضية ليست بهذا التضخيم ولكن إعلام الفلول وهو الذي ضخمها وعممها وكأنها صادرة عن كل التيار الإسلامي مع أن من أصدروها أو يؤمنون بها عددهم قليل جدا لا يتعدي واحد في المائة مقارنة بإجمالي المنتمين للحركة الإسلامية التي يتصف بالوسطية والاعتدال ويعارض بعض تلك المواقف والفتاوي التي تتعارض مع الفكر الصحيح الذي يحرص علي مصالح البلاد والعباد. وحاول الدكتور طارق الزمر التماس بعض العذر لمن اتخذ مواقف متشنجة وأنها كانت رد فعل نتيجة ظلم بين وقع عليهم او استثارة من غيرهم وبالتالي لابد أن ننظر الي القضية من كل جوانبها والملابسات التي أدت الي هذه المواقف التي نختلف عليها وتعارضها غالبية الحركة الإسلامية وهذا لا يعني أنني أؤيدها - الكلام مازال للدكتور الزمر - ولكني التمس لها بعض العذر لأننا في مرحلة ثورة ويخشي الجميع أن تعود العجلة الي الوراء أو عودة النظام السابق ولو بشكل مختلف أو معدل يضطهد الإسلاميين من جديد تحت شعارات كاذبة مثل مكافحة الإرهاب والتطرف مستندا إلي مثل تلك المواقف أو الفتاوي التي ليس لها سند شرعي ولهذا أجد علينا مسئولية تقويمها وتقديم النصح لمن وقعوا فيها لقوله صلي الله عليه وسلم "الدين النصيحة . قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله . ولكتابه . ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأشار الدكتور الزمر إلي أن انقسام الفضائيات الإسلامية حول تلك القضايا الجدلية بالتأييد أو المعارضة شيء طبيعي باعتبارها ممثلة لآراء بعض الدعاة ومن هنا ظهر الخلاف الذي لو تحلي فيه الجميع بالمنهج الإسلامي ¢ ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ¢ آية 125 سورة النحل. لما حدث اختلاف وصل إلي حد التناقض أو التجريح أحيانا وهذا ما نرفضه أما التنوع أو الاختلاف بين الفضائيات في تقييم تلك الأحداث فهذا أمر طبيعي إلا أن له بعض الآثار السلبية أهمها البلبلة لدي الرأي العام ولهذا ندعو الفضائيات الإسلامية الي التأني في معالجة تلك القضايا وعدم المغالاة في مناصرة فتوي أو موقف معين لداعية أو مرشح وإنما عليها أن تضع نصب أعينها أن كثير من مشاهديها يريدون الحقيقة مجردة والرأي الذي تؤيده وكذلك الآراء الاخري بمصداقية وشفافية والأدلة الشرعية التي يستند إليها أنصار كل رأي. وحذر الدكتور الزمر الفضائيات الإسلامية من اتباع سياسة الإقصاء والاستعداء مع من يخالفها في الرأي وخاصة اذا كانت القضية حمالة أوجه وقابلة للاجتهاد حتي لا تقع فيما نعيب فيه علي إعلام الفلول الذي يتصف بالنظرة الأحادية لمن يؤيده و الاقصائية لما تعارضه حتي يصل الأمر الي إلباس الحق بالباطل للتشويش علي الرأي العام. وانهي الدكتور الزمر كلامه بدعوة قادة الفضائيات الإسلامية الي الاجتماع في أسرع وقت لتحديد الأولويات والأهداف العليا التي يجب ان تلتزم بها وكيفية معالجة بعض القضايا المثيرة للجدل بما لا يؤدي الي مزيد من الانقسام في صفوف الإسلاميين وهذا يقدم خدمة جليلة للفلول ولهذا فإن معالجة القضايا الشائكة بحكمة وتأن وذكاء يحمي الفضائيات الإسلامية من الوقوع في أخطاء تخدم غيرهم دون أن يدري القائمون عليها أنهم يقدمون خدمة جليلة لأنصار الثورة المضادة. ودعا الإعلامي الإسلامي اشرف البلقيني .. الي التفرقة بين الفتوي الدينية والرأي السياسي للداعية الإسلامية لان كثيراً من الأخطاء التي وقعت فيها الفضائيات الإسلامية في الأحداث الأخيرة بسبب الخلط بين الفتاوي الدينية التي يجب الالتزام بها شرعا باعتبارها أمرا شرعيا له أسانيد من القرآن والسنة النبوية وبين الرأي السياسي الذي يجوز مخالفته لأنه اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ. وحث الفضائيات الإسلامية علي التوافق علي ميثاق شرف إسلامي في معالجة القضايا حتي يكون هناك ما يشبه التوافق بدلا من التناقض الذي يصل الي درجة الصراع في بعض الأحيان نتيجة غياب الرؤية الواضحة عن كيفية المعالجة بشكل مثالي لا يؤدي الي تأجيج نار الفتنة بين الإسلاميين وغيرهم او بين الإسلاميين أنفسهم. وحذر من كلام بعض الدعاة في السياسة دون ان يكونوا مؤهلين لذلك حيث يؤدي افتقاد الخبرة الي الوقوع في الأخطاء التي ينسبها إعلام الفلول ليس الي أصحابها فقط باعتبارهم بشراً يخطئون ويصيبون وإنما يعممون ذلك بأن هذا رأي الإسلاميين كلهم وفي بعض الأحيان يصل الأمر الي نسبة ذلك الي الإسلام نفسه مما يسيء اليه مع انه كان اجتهاد داعية إسلامي في قضية سياسية ولهذا لابد أن ينأي عامة الدعاة أو حتي المشاهير منهم بأنفسهم عن الكلام في كل القضايا السياسية المطروحة علي الساحة ويتركو ذلك للمتحدثين باسم التيار أو الجماعة أو الحزب والذي من المفترض انه مؤهل لذلك ولكن المشكلة أن بعض هؤلاء أيضا غير مؤهلين وعندما يتحدثون يخطئون ويثيرون الجدل الذي لا يؤخذ علي أشخاصهم فقط بل علي كل الإسلاميين وينسب للدين نفسه ومن هنا تبرز السقطات التي يستفيد منها الفلول ويضخمها إعلامهم. وانهي اشرف البلقيني كلامه بدعوة التيارات والجماعات والأحزاب الإسلامية الي إعداد كوادر مدربة علي الحديث عن الأحداث السياسية الحالية بذكاء ووعي بعيدا عن العواطف واعتقد ان هذه الكوادر موجودة الا انه لم يسند اليها ذلك بشكل رسمي حتي يتحدثوا وحدهم ويصمت أي داعية غير مؤهل للحديث في السياسية لانه ليس كل داعية ناجح قادراً علي الخوض في غمار السياسة بنفس النجاح بل إن أفضل داعية قد يكون فاشلا فشلا ذريعا إذا تحدث في السياسة دون ان يكون مؤهلا لذلك ولهذا فإن الاحترافية التي تتطلبها المرحلة الحالية تحتم إسناد كل أمر الي المتخصصين فيها واعتقد أن هذا أمر يقره الشرع حيث يقول تعالي "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" آية 43 سورة النحل.