شاءت الأقدار أن أذهب إلي ساحة أحد بنوك العاصمة وأنا واقف داخل صالة الانتظار سمعت صوتاً وما لبث أن ارتفع الصوت حتي تخيلت أن كل من حولي سمعوه أيضاً توقفت وأخذت التقط أنفاسي من هول المفاجأة.. الصوت صادر من شابة كطلقات المدفع إلي قلب رجل مسن. وفي دقائق وقفتها في حيرة وحزن لضياع أدب الحوار بين الصغار والكبار واقتربت منهما بعد أن طلب الرجل العجوز مني التدخل والنجدة وإبداء الرأي والحكم فيما يحدث من خلاف وبعد أن عرض التفاصيل وهو يبكي فبكيت معه تعاطفاً لما يتعرض له من إهانة وقسوة من ابنته الوحيدة التي تعمل مدرسة بإحدي دول الخليج لسنوات والغريب أن طلب الرجل الوحيد من ابنته أن تعود إلي منزل الأسرة بدلاً من الإقامة في فندق وتقضي باقي إجازة نصف العام في حضنه بعد أن أصبح وحيداً بعد وفاة أمها وهي البنت الوحيدة التي فضلت جمع الأموال عن رضا الرب والأب. ولم تستمع أيضاً لتوسلات الأب بأن تتخلي عن أصدقاء السوء. * وفي لحظة تأمل أحسست أن من يبتعدون عن الأهل والوطن ويضعون عقولهم وقلوبهم في مصيدة جمع الأموال وأن الشباب فاقدو الوعي والتميز بين من هو العدو من الحبيب وتأكدت أن اختلاط الأبناء مع الفاسدين من أكبر العوامل التي تؤدي إلي الجحود وانحراف الأبناء ولا سيما أن يكونوا من ضعفاء العقيدة وناقصي التربية والخلق. * وأصبح واجب الآباء ألا يبخلوا بمزيد من النصح والعطاء وأن يتحملوا بمزيد من الصبر علي قلة أدب وتجاوزات بعض الشباب والأبناء وألا يتقاعسوا خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد فيها البلاد انفلات في السلوك والأخلاق عن التحذير والنصح بالتوجيهات الخلقية لسليمة وإلا سينحدر البناء بلا شك إلي ظلمات الانحراف والإجرام وحب الهدم والتخريب كما نشاهد بعض الظواهر السلبية لشباب يقيم من شهور بلا عمل في الميادين والشوارع مدعين أنهم من الثوار وللأسف أصبحوا أداة خطرة علي سمعة مصر وعلي المجتمع وعلي الأمن وعلي الاستقرار والهدوء وهؤلاء الشباب من البنين والبنات والصبية الصغار نتاج تفكك الأسرة المصرية وإهمال دولة ثم المجتمع الذي يعيشون فيه ثم عدم مراقبة رب الأسرة لسلوك الأبناء وعدم قدرة الأب أو الأم علي زرع بذور الحب والود والخير بين الأولاد وأهلهم وعدم التربية الصحيحة وإهمال معرفة وأصول الدين التي تدعو إلي وحدة صفوف أفراد الأسرة الواحدة والوطن الواحد والتربية علي نبذ الفُرقة والانقسام والتربية علي أن واجب كل إنسان أن يراعي الله في معاملته لوالديه وحبه لأخيه المسلم عملاً بما جاء في الحديث الشريف. مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له الجسد بالسهر والحمي. * وللأسف ما نشهده من معاملات وسلوكيات هذه الأيام الظاهر منها والباطن ننفي هذا الالتزام علي الأبناء والآباء والواجب علي كل من كان انتماؤه للدين الحنيف. قد تناسي بعض الأبناء من الشاردين أصول التعامل مع الآباء وكبار السن والمقام ودعوة الرحمن إلي الرحمة والتواد والغفران والتعاون في البناء والابتعاد عن الهدم والتخريب وكل ما يؤدي إلي الانقسامات والفُرقة ومساويء الأخلاق. وعلينا نحن أولياء الأمور أن ننمي في نفوس أولادنا حب وتقدير واحترام كبير العائلة وحب الوطن والدفاع عن ترابه وتاريخه ومواجهة عدائه بالترابط والوحدة والإخلاص والعطاء والتفاني في العمل حتي لا يتدخل في شئوننا من لا يحب الخير لبلادنا. وأن نربي أولادنا من الصغر علي طاعة الله وطاعة الوالدين وحب الخير والتسامح والعشرة الطيبة فيما بيننا وحب الأسرة واحترام الأب والأم وصلة الرحم مع الأهل وحب البيت والشارع والجيران. ونصيحتي كأب وبعد ما شهدت وتألمت وحزنت علي ما رأيت وسمعت.. علي كل أب وأم لهما ابن أو بنت ممن يركبون موجة الثورة في الشارع أو الميدان أن ينقذوه من الضياع قبل فوات الأوان. * وعلينا كمجتمع أن نحافظ علي ما تبقي من تقاليد وقيم ومباديء وأخلاق وحب تراب الوطن الذي يتحمل في الآونة الأخيرة كل التصرفات المنحرفة والسلوكيات الغريبة علي شعبنا الطاهر النقي والتي تسيء لكل مصري حريص علي سمعة بلده. ويجب من اليوم قبل غداً أن يتصدي الآباء والمسئولون التربويون لكل الأفعال والسلوكيات والمعاملات التي تحدث تحت مسمي الفوضي والحرية لكي ترتاح قلوب الآباء من قسوة وعدم وفاء الأبناء للآباء. ولكي نرد قلب مصر الذي أصابه العطب والأمراض من أفعال المنفلتين وتصرفات الصغار الذين ندعو لهم بالهداية والعودة إلي رشدهم ليقف الجميع في صف واحد متقاربين متحابين وتكون كل أعيادنا مليئة بالحب من أجل الأم الغالية مصر المحروسة ومحفوظة بإذن الله.