طالب الداعية الإسلامي الكبير الدكتور صبري عبدالرءوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر جميع المصريين بحسن اختيار الرئيس القادم محدداً ثمانية شروط ومواصفات لاختيار الحاكم العادل وبأنه الذي يخاف الله ويتقيه ويطبق العدل بين الناس. جاء ذلك في الأمسية الدينية التي أقيمت بمسجد الفاروق بكفر الصعيدي بمنيا القمح شرقية بحضور د. عبدالفتاح أبوالفتوح وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة والقارئ الشيخ عبدالفتاح الطاروطي. والمبتهل الشيخ محمد عبدالهادي أبوسريع وأدارها الزميل عادل عبدالقادر بإذاعة القرآن الكريم. كان مقرراً أن يتحدث د. صبري عبدالرءوف عن "أثر الكلمة الطيبة في بناء الفرد والمجتمع" لكنه تحت ضغط وكثرة أسئلة الحضور حول كيفية اختيار ومواصفات الرئيس القادم .. اضطر إلي تغيير عنوان محاضرته إلي "اختيار الحاكم العادل" وهذا إلي جانب من المواصفات التي حددها في الاختيار: فأوضح د. صبري أن كل إنسان يسعي إلي حياة آمنة مطمئنة ليعيش آمناً علي نفسه وماله وعرضه وحتي يتمكن من العمل البناء الذي يعود علي المجتمع بالخير والنفع العام ولن يتحقق ذلك للإنسان إلا إذا أحسن اختيار الحاكم لأن مهمة الحاكم هي التي تعينه علي تحقيق الأمن والأمان .. من هنا نستطيع القول بأن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وأول واحد من هؤلاء الحاكم العادل. فالحاكم العادل هو الذي يخاف الله ويراقبه في جميع أقواله وأفعاله. نراه إذا تكلم كان صادقاً في كلامه. وإذا وعد كان وفياً لعهده مع الناس. ولهذا لا يجوز لنا أن نختار الإنسان الظالم أو المحابي أو المجامل. لأن الحاكم العادل يطبق القانون علي نفسه قبل أن يطبقه علي غيره .. يؤكد هذا ما رأيناه في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حينما قال لعمه العباس. يا عمي. اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئاً. قال هذه العبارة لابنته فاطمة وهذا يدل علي أنه لا يجوز للحاكم أن يحابي أو يجامل ورأينا ذلك واضحاً في موقفه مع أسامة بن زيد حينما سرقت المرأة المخزومية وجاء أسامة ليشفع لها فما كان من الرسول إلا أن غضب وقال : "أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟" إلي آخر الحديث. موقفه من ابن اللتبية الذي جاءه بعد أن جمع الزكاة. قال : هذا لكم. وهذا أهدي إليَّ فما كان من الرسول إلا أن جمع الناس في المسجد وقال لهم : إنما استعمل الرجل منكم ثم يأتي ويقول : هذا لكم وهذا أهدي إليَّ. أفلا جلس الرجل في بيت أبيه وأمه حتي يأتيه هديته إن كان صادقاً وطبق عليه قانون من أين لك هذا؟ وهو أول من طبقه فعلاً. اخذ كل الهدايا التي معه ووزعها علي الفقراء والمساكين. حكم الفاروق وقال د. صبري : الحاكم الذي يخاف الله نراه ينظر إلي أهله أولاً ليحاسبهم ليكونوا عبرة لغيرهم. ولهذا رأينا سيدنا عمر رضي الله عنه حينما ذهب إلي السوق ووجد إبلاً سمينة سأل: لمن هذه الإبل؟ فقالوا : إنها إبل عبدالله بن عمر . فقال بئس القوم أنتم. تركتم إبل عبدالله ترعي كما تشاء وقلتم : اطعموا إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. أفسحوا المرعي لإبل ابن أمير المؤمنين. ثم قال لعبدالله : بع الإبل كلها وخذ رأسمالك فقط واجعل أرباحها كلها في بيت مال المسلمين. ولعلني أنجو من حساب الله علي ما فعلت. فهذا الحاكم الذي كان يخاف من الله جعله الخوف يحرص علي اتقاء الشبهات وهكذا كان الخلفاء. فالحاكم العادل هو الذي لا يخاف الله فقط بل يتخذ لنفسه بطانة صالحة تعينه بل تحقيق الخير لأنه مسئول عن تصرف حاشيته التي تكون عوناً له علي الحكم. فإن حكم وعدل كانت الرعية حاكمة عادلة. فالناس علي دين ملوكهم. قوم أمناء استطرد د. صبري قائلاً : ولهذا رأينا سيدنا عمر حينما جاءه مال كثير من مال الزكاة نظر إلي كثرة المال وبكي فقال له سيدنا علي : لماذا تبكي يا أمير المؤمنين؟ قال له : يا علي. ان قوماً يقصد بذلك الولاة الذين يعينونه علي الحكم يؤدون إلينا هذا المال إن قوم أمناء . فقال له : يا أمير المؤمنين عففت فعفت رعيتك. ولو رتعت لرتعت أمتك. حينما فاض الخير في عهد عمر بن عبدالعزيز ذهب الناس إليه. قالوا : يا أمير المؤمنين. لقد وجدنا أمراً عجيباً في عهدك . فقال : وما هو؟ فقالوا : رأينا الذئب تحرس الغنم!! فقال : ولم تعجبون من ذلك؟ أصلحت ما بيننا وبين الله. فأصلح الله ما بين الذئب والغنم. ولهذا تقول : يا أبناء مصر الشرفاء انتخبوا الإنسان العادل الذي يخاف الله والذي تثقون في حسن إدارته للبلاد. لأمانته ونزاهته. فسيدنا يوسف عليه السلام حينما رأي نفسه أهلاً للقيادة قال للعزيز : "اجعلنا علي خزائن الأرض إني حفيظ عليهم" بنات سيدنا شعيب حينما رأين أمانة سيدنا موسي عليه السلام قالت البنت لأبيها : "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين". الأدلة علي ذلك كثيرة والأمثلة عديدة لكننا نخاطب كل مصري يحب الخير لوطنه. عليه أن يحسن اختيار الحاكم الذي يطمئن إليه. فلا محسوبية ولا مجاملة. وكفانا العهد البائد الذي ذقنا فيه المرارة. والذي غرس فينا الجبن والنفاق. زمن العلماء وركز د. صبري علي العلماء قائلاً : هنا أذكر العلماء بدورهم في هذا الزمن. اذكرهم بما حدث من رجاء بن حيوة للحجاج بن يوسف الثقفي حينما بني الحجاج مدينته بواسط فكان يأتي بالعلماء والعامة ويقول لهم : ما رأيكم في هذه المدينة؟ يقولون له خوفاً وجبناً : هي جنة الله في أرضه. ولكنه حينما سأل رجاء بن حيوة عن هذه المدينة قال له : يا حجاج. بنيتها من غير مالك وسيسكنها غير ولدك سوف تكون حطباً لك في جهنم يوم القيامة. فغضب الحجاج وقال : يا رجاء لم قلت هذا الكلام؟! قال : يا حجاج أما علمت أن الله أخذ العهد والميثاق علي عاتق العلماء ألا يكتموا الناس حديثاً؟ وهنا نقول : يا أبناء مصر. يا علماء الأمة. قولوا كلمة حق. وضعوا أصواتكم في الصناديق. واختاروا الذي تطمئنون إليه حتي نحسن اختيار الحاكم العادل الأمين. لنحيا حياة العزة والكرامة وكفانا جبناً خوفاً . وسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : "قل الحق ولو كان حراً. قل الحق ولو علي نفسك. فالحاكم العادل الوفي الأمين يصلح الله به الأمة ويجعلها تستعيد عزتها وكرامتها لتعيش آمنة مطمئنة ولكي يتمكن الحاكم من القضاء علي الفساد الذي استشري في البلاد فأصلحوا ما بينكم وبين الله فيصلح الله أحوالكم فهو القائل : "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".