** سعدت بحضور المناقشة العلمية في رحاب جامعة الأزهر لرسالة الدكتوراه للداعية الأشهر محمد حسان.. والموضوع جد خطير ومتميز.. منهج النبي في التعامل مع الآخر.. وهذه قضية القضايا التي نعيشها الآن..وتفتعل باسمها ومن أجلها المشاكل وتتداعي علينا الأكلة من كل مكان من ناحيتها.. ويهال علينا التراب بلافتاتها البراقة الزائفة.. وتكاد الدنيا تقوم ولا تقعد بسببها والطنطنة حولها.. حتي يهيأ لك وكأن الإسلام لا يعرف الآخر.. ولم يتعامل معه.. وأن المسلمين يعيشون في قمقم أو في غابة أو ما إلي ذلك.. ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أن يكون السؤال الأول لمن يترشح لمهمة ما قومية أو غير قومية.. ما هي علاقتك بالآخر كيف تنظر إلي الاقباط كيف ستتعامل معهم. موقفك من اليهود.. ماذا ستفعل مع معاهدة السلام؟؟ ولا أحد يمل لا من طرح الأسئلة ومن تكرارها بمناسبة وبدون مناسبة. ويجد المجتمع نفسه غارقاً وسط امواج متلاطمة.. في نوع واحد من الأسئلة تسلط عليه ليل نهار.. وكأن المقصود صناعة مشكلة بالفعل وليس الحصول علي إجابة أو الكشف عن تخوف أو التحذير من مأزق أو مطب. لذلك كانت أهمية هذا الموضوع الحساس.. منهج النبي في التعامل مع الآخر.. ومن داعية متفتح ومستنير يعيش عصره وقضاياه ويتعامل معها بواقعية وصدق وحس نقدي عال وحرص علي التصويب والتصحيح في الوقت المناسب.. إلي جانب القدرة علي المواجهة مهما كلفه ذلك ومهما تعرض لهجوم أو تطاول يصل حد الصفاقة أحيانا. سألني كثير من الأصدقاء والزملاء قبل القراء.. وهل كان الشيخ محمد حسان في حاجة إلي دكتوراه.. فالرجل ما شاء الله وهبه الله بسطة في العلم.. ويحظي بقبول وله شعبية وجماهيرية وحفر لنفسه مكانا في مقدمة الصفوف الأولي للدعاة المتميزين علماً وخلقاً وأدباً وشعبية..؟ والسؤال طبعا له وجاهته ومنطقه.. وهو يذكرني بملاحظة مهمة للغاية قالها لي العلامة الكبير الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي أمده الله بالصحة.. وهو يستعرض معي مسيرة ومشوار حياته.. والمشتغلين بالدعوة.. وهي أهمية البحث العلمي بالنسبة للداعية.. وضرورة تقديم بحوث علمية والمشاركة بها في المؤتمرات العلمية والندوات وغيرها نظراً لاهميتها الشديدة ودورها في صقل الموهبة الخطابية وتحرير المسائل علمياً وإثراء القدرة علي الحوار العلمي الصحيح والعملي أيضا.. وهو الأمر الذي حدث معه في بداية حياته. ** إن الحصول علي الماجستير والدكتوراه أولي الخطوات للتعامل مع البحث العلمي ومناهج البحث بطرق سلمية والتأكيد علي المنهجية العلمية في البحث والرصد والتحليل والنظر إلي المستقبل انطلاقاً من المعادلة الجدلية مع الواقع. وبالتالي فإن القدرة علي الخطابة والابداع في الاتصال الجماهيري شفاهة.. سيكون أكثر قوة وفائدة وفاعلية لو كان صاحبه مجيداً لطرق ووسائل البحث العلمي وتطبيقاتها علي كل القضايا المثارة وغير المثارة أيضا. ولذلك أنا انصح دائماً الدعاة المتميزين خطابياً باللجوء إلي الكتابة العلمية في صورة ابحاث أو مقالات سواء للصحف العامة أو المجلات المتخصصة وبذل جهد كبير في هذا الجانب العلمي ودوره في تنمية القدرة علي النقد وبحث القضايا من مختلف الوجوه قبل الاطلالة علي الجمهور سواء في اللقاءات الحية المباشرة أو عبر وسائل الإعلام المختلفة. سؤال آخر هل لذلك علاقة بما يردده البعض بأننا صحيح بلد شهادات؟ وللإجابة علي هذا السؤال في هذا المقام لابد أن نفرق بين السعي للحصول علي الشهادة العلمية من أجل العلم والبحث العلمي.. ومن يحصلون عليها من أجل المتاجرة بها والخداع والتضليل والحصول علي لقب ما من أجل المنظرة أو حتي الوجاهة الاجتماعية.. أو بلغة العصر من ضرورات عدة النصب.. أو السبوبة..!! ولابد من الاعتراف بأن شيخنا الداعية الكبير محمد حسان علي المستوي العلمي والدعوي والمكانة الجماهيرية لم يكن بحاجة إلي ذلك.. ولن تضيف له الدكتوراه كثيراً فالرجل له في كتبه وابحاثه ودروسه وخطبه المنشورة والمسموعة ما يكفي وما يغنيه عن أي دكتوراه.. كما أنه قد حصل علي اجازات علمية من أهل العلم والفضل والصلاح في علوم القرآن والحديث و غيرها. ولعل هذه النقطة كانت موضوع ملاحظة وإشارة واشادة من أعضاء لجنة المناقشة وكلهم أساتذة وعلماء أفاضل وأجلاء بجامعة الأزهر وفي غيرها من جامعات العالم الإسلامي. ** سؤال آخر: هل يمكن اعتبار تفريغ الأشرطة للخطب والمحاضرات من قبيل الامالي.. وهي فن معروف سلكه كبار علماء وفقهاء الدين واللغة والأدب علي وجه الخصوص. حيث اطلقوا لفظ الأمالي علي ما يملي من العلم إملاء. وذلك بأن يجلس عالم وحوله تلامذته يكتبون ما يقوله مما فتح الله عليه به. فقهاً أو نحواً أو لغة أو غير ذلك ونتيجة لهذه العملية وصل إلينا العديد من كتب الأمالي. وقد أحصي منها حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون نيفاً وسبعين كتاباً. تنوعت بتنوع فنون المعرفة ومن بين تلك الأمالي كتاب الأمالي. تأليف أبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي. المولود بإحدي قري ديار بكر عام 288ه 900م المتوفي بقرطبة عام 365 ه 975م. في رأيي ان ما يحدث مع الأشرطة "الكاسيت والسيديهات" للدعاة الآن.. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرقي إلي مستوي الأمالي أو حتي قريبا منه.. للعديد من الأسباب في مقدمتها: إن القائمين بالعمل غير متخصصين.. ولا يتم بحث الأمر المشكل أو المشتبه فيه علمياً.. كما ان كثيراً من مسائل المشافهة تحتاج إلي إعادة صياغة.. ولغة الخطاب تحتاج إلي تعديل من الالقاء إلي الكتابة.. وعمليات الضبط والإخراج والتخريج والمراجعة الفقهية واللغوية ونحوها غائبة تماماً. والتفريغ الصوتي يختلف تماماً عن الإملاء في الأمالي لأن الأخير من وظائف العلماء قديماً خصوصاً الحفاظ من أهل الحديث ويخصص له يوم من أيام الأسبوع يوم الثلاثاء أو يوم الخميس أو الجمعة و هو المستحب كما يستحب أن يكون في المسجد لشرفهما. وطريقهم فيه أن يكتب المستملي في أول القائمة: هذا مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا. ويذكر التاريخ. ثم يورد المملي بأسانيده أحاديث وآثاراً ثم يفسر غريبها ويورد من الفوائد المتعلقة بها بإسناد أو بدونه ما يختاره ويتيسر له. وقد كان هذا في الصدر الأول فاشياً كثيراً. حتي مات الحفاظ وقل الإملاء. ولا يخفي علي أحد عمليات التفريغ الصوتي هذه قد تحولت إلي تجارة وتجارة ولكن بدون شطارة للاسف الشديد.. والأمر يحتاج إلي مراجعة ووقفة علمية جادة خاصة مع تراث علماء كبار كإمام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله.. وذلك علي سبيل المثال لا الحصر.