حفظ الله - تعالي - القرآن الكريم كما أنزل بترتيب سوره. وآياته. وكلماته. وحروفه. علي الرغم من المحاولات العديدة التي بذلها أعداء الله من غلاة اليهود والنصاري. ومن غيرهم من الملاحدة والمشركين أعداء الدين. الذين قاموا بطبع العديد من طبعات القرآن الكريم بعشرات الآلاف من النسخ التي أضافوا فيها حرفا من حروف النفي أو أزالوه. أو أعادوا ترتيب سوره بما ادعوه بأنه حسب ترتيب النزول حتي يعموا علي حفاظ كتاب الله ما أدخلوه من تحريف. ولكن بقدر الله سرعان ما تكتشف هذه النسخ المحرفة. ويتم جمعها وحرقها. صونا لكتاب الله. ومن الأمثلة المتأخرة علي هذه المحاولات الشيطانية ما أنزلته المخابرات الأمريكية تحت مسمي "الفرقان الجديد". ومنه ما صادفته في أحد المراكز الإسلامية الكبيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية من طبعة فاخرة للقرآن وضع علي غلافها الخارجي نجمة سداسية بداخلها الآية القرآنية الكريمة التي تقول: "بل هو قرآن مجيد" "البروج: 21" ولم يذكر لهذه الطبعة ناشر. ولكن وضع في ختم دقيق الحروف - دقة لا تقرأ بدون مكبر - في آخر صفحاته جملة تقول: من أعمال أصحاب العربة "A work of the chariots) وبالبحث اتضح أن هذه الجماعة هي أحد أذرع الحركة الماسونية الدولية. وبمعرفة هواتفهم تم الاتصال بهم لشراء عدد من نسخ هذه الترجمة التي كتبت بلغات خمس. ورتبت الآيات فيها بحسب النزول كما يدعون. وذلك من أجل إخفاء ما أدخوله من تحريفات. ولكنهم رفضوا زيارتي لهم. وعرضوا إرسال ما أريد من نسخ إلي عنواني البريدي. وبعد أن تم ذلك قمت بإرسال نسخة من هذا النص المحرف إلي كل من الأزهر الشريف ووزارة أوقاف الكويت. ووزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية. فقام كل من هذه الجهات الثلاث بدراسته بواسطة عدد من اللجان المتخصصة وتم تحديد نقاط التحرف فيه. كما تم تحذير جميع المراكز الإسلامية من هذه الطبعة المحرفة. وتم إعدام النسخ التي كانت قد أرسلت إليها. وكان جهد معالي الأخ الكريم الشيخ يوسف جاسم الحجي - وزير الأوقاف في حكومة دولة الكويت - آنذاك جهدا مشكورا. فجزاه الله خير الجزاء علي ما قدم. ولايزال يقدم لخدمة الإسلام والمسلمين في العالم. ليس هذا فقط. بل اتخذ المضللون من وقائع جمع القرآن ثغرة يحاولون النفاذ منها للنيل من كتاب الله. في محاولة يائسة للتشكيك في دقة تدوينه حتي لا يبقي هو النص الإلهي الوحيد المحفوظ بحفظ الله. والمصون من محاولات التحريف والتبديل التي تعرضت لها جميع كتبهم. وهم يتناسون أن القرآن الكريم تمت كتابته في رقاع متعددة بواسطة كتاب الوحي إملاءً من فم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - مباشرة بعد تلقيه الوحي وأنه قد تم جمعه بعد وفاته - صلي الله عليه وسلم - بأقل من عامين في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - بعد أن قتل سبعون من حفظة كتاب الله في موقعة اليمامة ودعت الحاجة إلي جمع ما كان قد كتب مفرقا في عدد من الرقاع علي هيئة مصحف ورقي واحد. وقد تم ذلك في منتصف خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - "سنة 12ه/633م". باقتراح من الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - وتمت الكتابة بواسطة نفس كتاب الوحي الذين كتبوه من فم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وحفظوه عن ظهر قلب. وبعد وفاة الخليفة الأول "سنة 13ه/634م". تسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كلا من الرقاع الأصلية والمصحف الورقي. وبقيا في حوزته إلي لحظة وفاته "23ه/644م". ثم انتقل إلي حوزة أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر - رضي الله عنها - وكان مصحفا فردا مرجعا للمسلمين جميعا الذين حَفِظُوا القرآن في الصدور. وحَفَّظُوه إلي الصدور. كما هو المتبع في حفظ القرآن الكريم اليوم وعبر التاريخ. كان هذا هو أول جمع للقرآن في مصحف واحد. أي جمع ما كتبه كتبة الوحي في حضرة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - علي مختلف الرقاع. وتنسيق آيات كل سورة. وتسميتها. وترتيبها حسب ما أمر به رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قبل انتقاله إلي الرفيق الأعلي. وكان القصد من هذا المصحف الواحدأن يكون مرجعا موثوقا به عند أي اختلاف في ذاكرة الحفاظ. وفي خلافة ذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - "23ه - 35ه/644م-656م" وكان حافظا للقرآن كله. فزع إليه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان أن يدرك الأمة بجمعها علي هذا المصحف الواحد. وقد اختلف الناس في بعض القراءات. فندب أمير المؤمنين لهذه المهمة رجلا من الأنصار هو زيد بن ثابت. وثلاثة من قريش هم: عبدالله بن الزبير. وسعد بن أبي وقاص. وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام". وكان زيد بن ثابت "ت: 45ه/665م" من كتبة الوحي في الفترة المدنية. وكان حافظا متقنا للقرآن الذي كتبه مباشرة من فم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وكان قد حضر العرضة الأخيرة للقرآن من النبي علي جبريل - عليهما السلام - وكان هو الذي جمع القرآن علي عهد أبي بكر - رضي الله عنه وأرضاه. وقد تم الجمع في هذه المرحلة بمنهج يعتبر غاية في الدقة. قوامه المصحف الذي تم جمعه علي عهد أبي بكر. ثم السماع من حافظين علي الأقل. وقام الفريق المكلف بتدوين القرآن وفق هذا النهج المحكم بنسخ القرآن في مصحف واحد عرف باسم "المصحف الإمام". أجمع عليه جميع أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ونسخ من هذا المصحف الإمام عدداً من النسخ. وأرسلت نسخة منها إلي قطر من أقطار الإسلام. وبقي المصحف الإمام في أمانة أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الذي أمر بإحراق مصاحف الأفراد التي كان يكتبها كل صحابي لنفسه. حتي يجمع المسلمين علي مصحف واحد. أما تنسيق المصحف بترقيم الآيات في كل سورة. ووضع علامات سجود التلاوة. والتقسيم إلي الأجزاء والأحزاب والأرباع فهي إجراءات اعتبارية عقلية توضع خارج كلمات الوحي لا في متونها. وتؤدي خدمات جليلة للنص القرآني مقروءا أو متلوا. ومن تحقق وعد الله - تعالي - بحفظ محكم كتابه أنه - سبحانه - قد يسر حفظه في الصدور بالتواتر المحكم الدقيق. بحفظ الخلف عن السلف لكتاب الله كما أنزل علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ويسر له في كل عصر آلاف من الحفاظ المتقنين. والأئمة الصادقين في كل علم من علوم القرآن الكريم. حتي تحقق وصف القرآن الكريم بأنه مأدبة الله لخلقه. يرزق منها من يشاء مما يشاء. علي قدر استعداد كل فرد. وتهيئته القلبية والعقلية والنفسية لقبول فيض القرآن الكريم. من هذا الاستعراض الموجز يتضح لكل ذي بصيرة أن القرآن الكريم قد حظي بعناية منقطعة النظير من رب العالمين في حياة الرسول الخاتم - صلي الله عليه وسلم - وبعد وفاته "11ه/632م". فقد وصلنا القرآن الكريم بالإسماع الصوتي من جبريل - عليه السلام - إلي سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - ثم بالإسماع الصوتي من فم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلي كُتّاب الوحي. ثم بالإسماع الصوتي من كُتّاب الوحي إلي الذين حفظوه من المسلمين. ثم بالإسماع الصوتي من ملايين الحفظة المتقنين للقرآن الكريم إلي من يتعلمونه منهم إلي اليوم وحتي يوم الدين.