كنت أخشي أن يأتي اليوم ونحن علي قيد الحياة. الآباء والأجداد. رجال جيل الزمن الجميل. لنشهد تفكك الأسرة الكبيرة للمجتمع المصري والأسرة الصغيرة التي جف الحب والود والحنان والترابط بين أفرادها.. ونشهد الجرائم المستحدثة علي مجتمعنا والنيران وهي تشتعل في كل مكان علي أرض مصر. وهي الأرض التي رحبت بمن فيها. ومن جاء إليها. وكان عنوانها "أهلاً بك في أرض السلام والحب والتقدير والاحترام".. ونشهد وفاة القيم والأخلاق ليحل مكانها الانفلات الأخلاقي لتقصير الأهل في تربية الأبناء. وعدم الاهتمام برعايتهم والأخذ بيدهم. والوصول بهم إلي طريق الخير وحب الأهل والوطن. والانتماء لهذه الأرض الطيبة التي اشتعلت نيران الكراهية بين أهلها.. فماذا حدث في المجتمع المصري هذه الأيام؟! وما الذي أدي إلي ظهور كل هذه السلبيات والعداءات والخلافات والانقسامات والانفعالات والتشكيك والتخوين والكراهية والحقد بين الناس بعضهم لبعض.. وخلعت الحب والود والتعاون والوحدة عنهم.. وفقد بعض الأهالي والشباب قدرتهم علي التمييز بين المتآمرين والأعداء. والإخوة من المخلصين والشرفاء. والناس الطيبين من البسطاء.. فصار الجميع "إخوة أعداء" علي أرض مصر. أرض الرسالات السماوية والأنبياء الذين مروا بها في ترحالهم باحثين عن الحب والتصديق برسالتهم.. فوجدوه في مصر أرض التوحيد والتعلق بالأنبياء وأولياء الله الصالحين. أرض كان معروفاً للقريب والبعيد أن أهلها أهل مودة وحب وترحاب.. وسبحان الله مغير الأحوال. ومقلب القلوب. * عندما فجر شباب مصر ثورة 25 يناير التف الشعب والجيش حولها ليحميها من أعدائها. فكانت ملحمة الوحدة والمشاعر الفياضة بين الناس. رغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً. وإنما جميعهم قلب واحد. ويد واحدة. وحماس وفكر ورأي واحد. * أما الآن.. وبعد ظهور راكب موجة الثورة. وتدخل أصحاب الأموال وأصحاب المصالح من الفاسدين والمحرضين والمأجورين من رواد بعض الفضائيات الذين يقبضون بالعملة الصعبة للعمل علي استمرار الفوضي والتخريب. وهؤلاء يلعبون هذه الأيام علي أرض كل الملاعب وما حدث أخيراً علي أرض استاد بورسعيد خير شاهد والذين يزرعون بذور الفتنة يجلسون في صفوف الجماهير في كل مكان للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.. وأصبح كل منا يتربص بالآخر.. وأصبح المواطن البسيط يشعر بالقلق والخوف ولا يدري إذا كان سيعود إلي أسرته أم لا؟!.. فالمؤمنون بقضاء الله وقدره في مناخ الفوضي والبلطجة وقطع الطرق وترويع الآمنين بالخطف والقتل. فأصبح كل مواطن يسلم أمره لله سبحانه وتعالي وهو في طريقه إلي عمله. أو البحث عن رزق حلال أو إلي تجارته أو إلي سفره أو انتقاله من بلد إلي بلد. أو إلي رحلة سياحية أو إلي حضوره لمباراة كرة. فهو شهيد حتي يعود. ورغم كل ما يبذل من جهود لرجال الشرطة بقيادة وزير الداخلية النشيط لعودة الهدوء والاستقرار. والأمن والأمان للمجتمع المصري المسالم. * ولكن ما نشهده علي أرض الواقع وزيادة معدل الجريمة. أصبح شعار مصر الحبيبة. بلد الأمن والأمان. شعاراً خداعاً. وزائفاً حتي الآن. نفقد معه حريتنا وكرامتنا والشعور بالاطمئنان والأمان وعدم السيطرة. واستئصال كل الخلايا السرطانية من جسد شجرة العائلة المصرية يجعلنا في نظر العالم والزائرين للسياحة والاستثمار غير قادرين علي توفير الحماية. وهذا هو هدف أعداء مصر في الداخل والخارج.. وإذا كان هذا المشهد الأمني يقع علي مسئولية الدولة التي تعاني من حجم المشاكل والانفلات الأمني والأخلاقي. فإننا نري هذه الأيام مشاهد أكثر إيلاماً وحزناً علي ما يحدث للأم الغالية مصر. وهي تحترق ويعرض معدومو الضمير من أعدائها تاريخها وسمعتها وحضارتها وكيانها للخطر.. وربنا قادر علي الذين يعملون في الخفاء. لكي تعود مصر إلي الوراء. وهم بيننا مرتدون لباس الوطنية. وهو في الحقيقة لباس الديكتاتورية والعنصرية. والقبلية الحمقاء حاملين معول "أنا ومن بعدي الطوفان". وأصبحنا لا نجد حباً أو وداً أو احترام الصغير للكبير أو تقديراً لقيم التقاليد والأخلاق المصرية الأصيلة التي كانت تحكم تقاليدنا وعلاقاتنا ومعاملاتنا. وتحافظ علي ترابط ووحدة الأسرة المصرية أيام زمان. ولا يمكن اختراقها.. لذلك كانت هناك القدوة الصالحة وقيادة قادرة من الأب أو الأم للتربية الصحيحة للأبناء وتزرع في قلوبهم حب عمل الخير. والحب للأهل. والانتماء للبلاد.. لذلك أحسست بمشاعر خمسة من الإخوة الصالحين وهم يصطفون متقاربين ومتحابين يبكون بحرارة علي فراق أمهم التي جمعت بينهم وزرعت في قلوبهم ونفوسهم الحفاظ علي ترابطهم ووحدتهم في هذا المشهد الذي حدث أمامي في إحدي قري مركز إيتاي البارود بالبحيرة.. وبعدها تمنيت أن يكون هذا السلوك سلوك كل الأبناء. حتي يعرفوا معني الوفاء للآباء. والأمهات.. وخاصة الأم الكبري مصر العظيمة التي ستبقي محروسة بمشيئة الله وعودة الأبناء المنفلتين والشاردين إلي رشدهم وصوابهم.