[email protected] كل عام والسادة القراء الأعزاء والقارئات العزيزات وكافة أبناء الأمة العربية والإسلامية بخير وسلام بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يأتي عيدنا القادم ونحن في عزة وأمن وأمان وقوة واستقرار ورخاء ونهضة وتقدم. ومن أجمل ما تتميز به أعياد المسلمين أنها تبدأ بالتكبير والحمد والتهليل علي تمام نعم الله وفضله علي الأمة، وعيد الفطر المبارك هو جائزة المسلم الصائم والقائم والعابد والطائع لله، وهو جائزة من استفاد من الشهر الكريم في تزكية النفس وتطهير القلب وتربية النفس وتدريب الجوارح علي حب الله وطاعته والعمل الصالح والبعد عن الذنوب والمعاصي، وهو جائزة يشعر بها المسلم الذي نجح في تغيير سلوكه وخلقه ليكون أفضل وأجمل وأحسن وأبهي في المستقبل. لقد عشنا بفضل الله وكرمه طوال شهر كامل في رحاب القرآن الكريم قراءة وحفظا وتدبرا، وعشنا مع الصلاة وقيام الليل والتهجد والذكر والاستغفار والتوبة والدعاء، وعشنا مع المسارعة في عمل الخير، والبر بالأهل والأقارب والجيران، وتقديم الصدقات والزكوات والمساعدات، لرعاية الفقراء والأيتام والمساكين وأصحاب الحاجات، وعشنا في هذا الشهر الكريم نعفو عمن ظلمنا، ونعطي من حرمنا، ونصل من قطعنا، وعشنا كذلك نرد الحقوق ونصلح بين المتخاصمين. واكتشفنا أن بداخلنا طاقة إيمانية هائلة، وحب فطري عميق لعمل الخير والسعي في مصالح الناس، ونجحنا بفضل الله وكرمه في اختبار الحرص علي الطاعة وإصلاح النفس والقرب من الله والبعد عن المعاصي والذنوب، وأدركنا أننا قادرون علي تغيير ما بأنفسنا، طالما نمتلك الإرادة والعزيمة والإصرار، حتي يغير الله سبحانه ما بنا "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم"، وإذا كنا نجحنا طوال شهر كامل، فسوف ننجح في استمرار هذا السلوك بقية شهور السنة. مطلوب من كل منا، قبل أن تنتهي أيام عيد الفطر المبارك، وقبل أن يعود إلي انشغاله بتحصيل الرزق وأمور الدنيا وهموم الحياة، أن يجلس إلي نفسه وأن يمسك ورقة وقلما، وأن يكتب في نقاط واضحة كيف استفاد من شهر رمضان المبارك في تصحيح عبادته والانتظام في أدائها، وكيف استفاد منه في تغيير سلوكه وأخلاقه وتحسين علاقاته بالآخرين، وكيف يمكن أن يحافظ علي هذا التغيير في حياته، ثم يحدد خطوات عملية بسيطة لاستمرار هذا السلوك الحسن. وأعتقد أنه لو نجح كل منا في أن يأخذ هذه الخطوة الإيجابية بعد شهر رمضان المبارك، وأن يجتهد في تغيير ما بنفسه من أخلاق وعادات وسلوكيات إلي الأفضل والأحسن، وأن يكون لديه الرغبة والعزيمة والإصرار علي الفوز في معركة تهذيب النفس وتطهير القلب وتصحيح السلوك، بغض النظر عن قدرة الآخرين علي النجاح في ذلك، فإننا نكون علي أعتاب مرحلة إيجابية جديدة من عمر ثورتنا المجيدة، التي يرتبط استمرار نجاحها بقدرتنا علي تغيير سلوكنا أولا. وهناك لفتة أخري عشت معها في شهر رمضان المبارك لهذا العام، وهي أن الأمة الإسلامية (حوالي 2 مليار نسمة) عاشت في وحدة مشاعر إيمانية، ومعاني قرآنية ربانية، وإصرار علي الحرية والتغيير، لمدة شهر كامل، وانتظم المسلمون جميعا في مشارق الأرض ومغاربها في عبادة مشتركة هي الصيام والقيام، ووحدة المشاعر هي مرحلة مهمة، تذكر الأمة بأن وحدتها هي مصدر قوتها وعزتها ونهضتها، وأن الإسلام العظيم كان وسوف يبقي رائدها نحو المستقبل المشرق. ونحن مقبلون علي أجواء سياسية ساخنة في الأيام المقبلة، علينا أن نتذكر جيدا ما غرسته فينا مدرسة الإيمان في شهر رمضان.