إنه لمن الخطورة بمكان أن نقدم أنفسنا للناس وكأننا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أو أن نجعل من أنفسنا التطبيق النموذجي لدين الله الحق!. ومخطيء من يظن أنه في غاية التعقل والموضوعية. وأن قيمه ومعتقداته وميوله واتجاهاته النفسية وحالته الانفعالية ومصلحته الشخصية... إلخ. كل ذلك لا يؤثر علي موضوعيته بدرجة أو بأخري بعمد أو بغير عمد!. إن هذه هي العقيدة التي يحاول الإسلاميون طرحها وتأكيدها ولا تلقي من منافسيهم سوي الإغفال أو إظهار عدم التصديق. فيعاودون السؤال. ويعاود الإسلاميون الإجابة» ولا شك أن كثرة الحديث حول موضوع واحد تكون علي حساب غيره من الموضوعات التي تستحق التوقف أمامها والحوار بشأنها. ومن هنا فالأمر جد خطير. ولعل أصحاب المرجعيات غير الإسلامية معذورون في تخوفهم عندما يبررونه بما حدث ويحدث علي يد أنظمة رفعت شعار الإسلام وزعمت احتكار الحقيقة والحكم باسم الله! وأقول لهؤلاء: أولاً: إن من ينظر في الاتجاه المقابل فسيري أنظمة لم ترفع شعار الإسلام. وزعمت كذلك احتكار الحقيقة. والحكم باسم الحق. ويكفي للتمثيل علي ذلك بأن كل الأنظمة العربية التي سقطت. وأوشكت علي السقوط لم ترفع في يوم ما شعاراً إسلامياً. ثانياً: إنه لمن غير الجائز أن نحاكم الإسلاميين السنة من خلال معتقدات غيرهم السياسية سواء كان هذا الغير رافعاً لشعار الإسلام كالشيعة أو رافعاً لشعار دين آخر كالكنيسة المسيحية في العصور الوسطي في أوروبا. فالنصوص التي تنطلق منها كل طائفة مختلفة» هذا بالإضافة إلي اختلاف مناهج فهم النصوص والاستنباط منها. ثالثاً: إذا كان ينبغي علي الإسلاميين التفرقة بين اليساري والليبرالي والعلماني..... إلخ. فإن علي غير الإسلاميين كذلك أن يفرقوا بين الفكر الديني بأنواعه المختلفة: الإسلامي السني. والإسلامي الشيعي» والمسيحي: الأرثوذكسي والكاثوليكي والبروتستانتي.... الخ» ومن غير المقبول علمياً القول إن لكل هذه الطوائف الدينية الختلفة فلسفة واحدة. ونهجاً سياسياً واحداً. ومن ثم فإنه من غير المقبول عقلياً أن نعطيها حكماً واحداً معاً في سلة سياسية واحدة. رابعاً: إن الفرق بين الإسلاميين الذين يأتون بإرادة شعبية. وغير الإسلاميين الذين يأتونه بالانقلابات والقوة العسكرية. خامساً: إن البرهان الأكبر علي ديمقراطية السنة من الإسلاميين هو النصوص التي ينطلقون منها لتأييد موقفهم من الديمقراطية وفهم علمائهم لها» فإن ذلك ليوضح أن الديمقراطية لها تأصيلها في الفكر السني. وليست مجرد فكرة عارضة تعلنها جماعة اليوم وتتنكر لها أخري غداً. "وإن كان الأحري أن يتخوف الإسلاميون من غيرهم هذا التخوف لا العكس وذلك لأن مرجعيات غير الإسلاميين لا تحظي بالثبات الذي تحظي به مرجعية السنة من المسلمين". والحديث عن تأصل الديقراطية في الفكر الإسلامي السني طويل وستكون لنا معه بإذن الله وقفات والمقام لا يتسع في هذا المقال إلا بالوقوف أمام المعوق الأول للديمقراطية وهو ادعاء الحكم باسم الله ذلك الحكم الذي لا يقبل معه معارضاً أو له ناقضاً. والنصوص الإسلامية السنية المعارضة لذلك الحكم وفيرة صحيحة صريحة. ولعل من أهمها وصية النبي صلي الله عليه وسلم لقادة السرايا الحربية بقوله: "إن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم علي حكم الله» فلا تنزلهم علي حكم الله. ولكن أنزلهم علي حكمك» فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا". رواه مسلم وأبو داود. والترمذي. وابن ماجة. والدارمي. وأحمد. فهنا يبين النبي صلي الله عليه وسلم أنه ليس لأحد حتي وإن كانوا صحابته الكرام أن يدعي الحكم باسم الله. أو احتكار الفهم لأمر الله. ومبدأ المساواة في اعتبار حيازة الحقيقة بين المختلفين قاربه الشافعي بقوله: "رأينا صواب يحتمل الخطأ. ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب".. وعبر عنه القرآن الكريم بشكل أبلغ في قوله تعالي: "وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين قل لا تسألون ما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون" سبأ:24: 25» فالآية الكريمة هنا لا تكتفي بأن تضع المختلفين في مرتبة واحدة من الحق» وهو ما لم يفعله الشافعي» بل تؤثر الآخر وتفترض قبل البدء في الحوار معه أنه الأقرب إلي الحق تلطفاً معه وتأدباً وتأليفاً لقلبه» فينسب المتحاور الإجرام إلي نفسه ومطلق العمل إلي الآخر.