قال تعالي: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتي كم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب" البقرة .214 في يوم الأحزاب تجمع المشركون وتحالفوا علي إبادة المسلمين فأصاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصاب صحبه غم وهم شديدان فأنزل الله هذه الآية ولقد جاء في الحديث الصحيح فيما رواه خباب بن الأرت قال: قلنا يا رسول الله ألا تستغفر لنا ألا تدعو الله لنا؟ فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار علي مفرق رأسه فيخلص إلي قدميه لا يصرفه عن دينه ثم قال: "والله ليتمن هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء إلي حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب علي غنمه ولكنكم قوم تستعجلون" وقال تعالي "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين". ولقد أصاب المؤمنين ما أصابهم من البلاء في يوم الأحزاب مما سجله القرآن الكريم وصفا بليغا في هذه الآية الكريمة "إذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا" وفي الآية الكريمة يخاطب الحق تبارك وتعالي المؤمنين الذين يتعجلون النصر من الله أو هم يستبطئونه فيدعوهم ما داموا يطلبون الجنة أن يتدارسوا أمر من سبقوهم من المؤمنين اختبارهم الله بالمحن والبلاء والشدة والعناء فما وهنوا وما استكانوا بل صبروا وحمدوا وثابروا وجاهدوا.. وضعوا موضع الامتحان والاختبار فنجحوا وتفوقوا لم تزعزهم شدة ولم تثنهم محنة ولم ترهبهم قوة ولم يضعفهم خوف ولم يهنوا أمام فتنة فاستحقوا نصر الله وحصلوا علي تأشيرة دخول إلي جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.. إن الرخاء والسراء لا يظهران معادن الرجال بل تظهرها البأساء والضراء ففي الشدة تختبر العزائم وتنكشف المكارم ويتجلي الإيمان إن الصبر علي المكاره والثبات عند الشدائد.. له ثمرة طيبة ومردودة وله جزاء غير محسوب ولا معدود فالحق تبارك وتعالي يقول في شأن الصابرين "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" والبلاء هو البوتقة التي فيها ينصهر الناس لتطفو العوالق والشدائد من ضعاف النفوس فاقدي الإيمان ويلمع ويتألق أهل النقاء والصفاء أهل الخير والبر والوفاء المجاهدون والصابرون.