بينما كنت أنعم بقراءة سورة يوسف وما بها من عبر وعظات واستراتيجيات لا تنقضي عجائبها للحياة استوقفنى خواتيم تلك السورة المباركة مع الماضي القريب والبعيد وواقع الحال الذي تعيشه مصر في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَالرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فنجي من نشاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَلقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف:110-111] . فالله عز وجل جعل النصر حليف المؤمنين ومع اشتداد الضيق وعظم البلاء يأتي الفرج وهذا ليس حديثا يفتري أو كلاما بعيدا عن الواقع فهو من سنن الله الكونية ونواميسه الاجتماعية التي لا تتخلف أبدا ، (أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214] . يقول الشهيد سيد قطب : " تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد، ولا بد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة .ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس. يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون .ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمرا ماحقا لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير". وكم من أناس زرعوا البذرة للتغيير منذ سنين وتمنوا أن لو رأو النصر بأعينهم ولكنهم لم يشهدوا ذلك، وإن كانوا مأجورين على ما قدموا ، فما على الإنسان إلا أن يشمر ويبذل الجهد ويأخذ بالأسباب والنتائج بعد ذلك تكون بيد الله وحده، سواء تحققت في وجوده أو بعد رحيله ، ويكفيه ما زرعه من زرع وما ربي من جيل يسلم الراية للجيل الآخر، وكم كان يتمنى العديد من أبناء المجتمع المصري لو كان المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري-رحمه الله- موجودا بينهم ليري ثمرة النصر حيث كان ممن كافح وقاوم وبذل ، ولكن الله تعالى لن يضيع أبدا من أحسن عملا ، ومن قبل عاصرت رجلا من حملة الدعوة إلى الله تعالى عرف عنه لين الجانب والعاطفة الإسلامية الجياشة وحب الناس وطيب القلب وعظم المقصد وقول الحق والثبات والصبر على الشدائد حتى أن نظام مبارك الطاغية لم يتوان عن اعتقاله وقد قارب عمره التسعين عاما ليضيف إليه سجنا بعد سجونا في عهد سابقيه ، إنه المهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف –رحمه الله- فقد تمنى على الله أن يري النصر بعينيه بعد أن بلغ عمره ما يزيد عن التسعين عاما فمازحه أحد محبيه : بأن ذلك يتطلب منه عمر طويل مديد. وقد أحسست بقيمة الفرحة وعظمة النصر والسماحة والتواضع في عيون أبناء مصر الثوار الأخيار ، كما لاحظت بشاشة هذا التصر على وجه شيخنا العلامة القرضاوي في قطر حينما عبر بما في داخله وداخل جيله من الدعاة إلى الله قائلا :لم نفرح منذ زمن طويل وآن لهذه الأمة أن تفرح. إن من نعم الله تعالى على الجيل الحالي أنه صنع النصر لمصر بإخراجها من غيابات جب منتفش من القهر والذل والظلم والطغيان والبطش والفساد إلى سعة نتمنى فيها أن تعود الحرية المفقودة والعدالة الغائبة والأموال المنهوبة ويحاكم الطواغيت الملاعين، وما كان لهذا أن يكون إلا بتحقيق سنة الله الكونية والاجتماعية بأنه لا تغيير للأحوال إلا إذا تغيرت النفوس : (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11] . فمن منا لم ير مشهد الطاغية مبارك وهو يجلس بعد انتخابات مجلس الشعب الأخيرة على منضدة المؤمرات والإفساد يصحبة زوجته الشمطاء الحمقاء وابنه الدلوع المفساد ، وصفوت مهندس طرق النجاسات ، وعز مهندس تزوير الانتخابات وسرقة قوت الشعب بالحديد والسيراميك، ولسان حالهم يقول لقد ملكنا البلاد والعباد وكرسي العرش أصبح مهيئا لجلوس جمال، وشاءت إرادة الله أن يكيدوا كيدا والله تعالى كاد كيدا فرد كيدهم إلا نحرهم لم ينالوا خيرا ، وانقلب الكرسي عليهم، مؤكدا حقيقة لا جدال فيها أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء فلا تآمر لأخذه ولا كيد للوصول إليه. ومن منا لم ير أحمد عز طاغوت السلطة والمال-الذي تعدت ثروته 50 مليار جنيه- بعد الانتخابات التشريعية وهو يستخف بالمعارضة ويقزم حجم الإسلاميين ، وكأنه يخرج لهم لسانه بالغيظ والكيد ، وشاءت إرادة الله أن يجعل من صورته وهو سجين عبرة للمعتبرين فقد تخلى عنه القريب والبعيد واتهموه وحيدا بالتزوير ، وتراكمت عليه جرائمه وانحرافاته من قضايا سرقة ونهب وتزوير وفي جعبة جرائمه الكثير. ومن منا لم ير المستبد الطاغية اللص حبيب العادلي وهو يتوعد ويتهدد في احتفاله بعيد الشرطة وقد بلغ منه الكبر مداه واستعلى ظلما وعدوانا ومنح الشرطة كتابا على بياض لفعل ما يشاءون من انتهاك حقوق العباد وسرقة أموال البلاد دون حساب فاعتقل وسجن وشرد وقتل وفرض الأتاوات وبني لنفسه قصورا من ألف ليلة وليلة في الوقت الذي كان يبنى لشعب مصر مزيدا من السجون ، وكون ثروة من الحرام تعدت الثمانية عشرة مليار جنيه ، وشاءت إرادة الله أن يهتك ستره ويفضح أمره وتتكاثر وتنكشف خفايا جرائمه وثروته ، حتى ظهرت آثار قدرة الله في تقدم لائحة اتهامه بجريمة غسل الأموال تلك الجريمة التى استحقها حقا وعدلا وقصاصا واستخدمها من قبل ظلما وعدوانا ضد الشرفاء ، وأبى الله تعالى إلا أن يخرج الشاطر ومالك حتى يكتب الله لهما رؤية العادلي جنبا إلى في سجنهما قبل خروجهما يحاكم صدقا وعدلا بنفس الجريمة التي افتري به عليهما وغيرهما بهتانا وزورا . ومن منا من لم ير أنس الفقي طاغوت الإعلام والفساد ومهندس العملات الذهبية المنهوبة وهو يزور الحقائق ، ويستخف بالجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود ، ويشوه صورة الثوار الأحرار ، ضف إلى ذلك قائمة المفسدين في الإعلام ..في مؤسسة روز اليوسف خاصة والصحف والمجلات القومية عامة ، وشاءت الله أن يجعل هؤلاء النفعيين مصيرهم إلى مزبلة التاريخ وأن يعرف الفقي مصيره إلى غيابات السجن بتهم التربح وإهدار المال العام بالملايين بعد أن كان يريد لشعبه أن يعيش في غيابات الواقع. ومن منا لم ير الهارب الفاسد الفاشل يوسف بطرس غالي الذي سرق ونهب أموال الشعب وفي مقدمة ذلك ما قدر عليه من أموال التأمينات وتغاضي عن تهرب الكبار من الضرائب في الوقت نفسه الذي بالغ في فرض الضرائب على جموع الشعب المحتاج ، ومن عجائبه تلك الضريبة العقارية على مساكن العباد بالمخالفة لكافة الأعراف والفلسفات الاقتصادية والأديان ، وشاءت إرادة الله أن يكشف زيفه ونهبه وسوء إدارته وفشله. ومن منا كان يصدق هذا الحجم من الفساد اللامعقول ، إننا كنا نقر بوجود كم كبير من الفساد ولكن ما انكشف كان أكبر وأكبر وما خفي كان أعظم، فمبارك لم يفصل بين ميزانية الدولة وميزانية أسرته حتى وصلت ثروتهم 70 مليار دولار ، وأموال العديد من المؤسسات وفي مقدمتها مكتبة الاسكندرية مقيدة في البنوك باسم زوجته ، كما أنه فتح المجال لعصابته للسرقة والنهب من جرانة والمغربي ونظيف وسرور وعبيد الذي باع أصول مصر وفرط في شركاتها وقنن الرشي في نهب خيراتها ، وغيرهم الكثير والكثير. ومن منا من لم ير شفيق التلميذ المخلص لمبارك يدافع وينافح من أجل البقاء في الكرسي، ويعلنها أكثر من مرة أنه على تواصل مع مبارك المخلوع ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن ينكشف أمره وتتحقق إرادة الثوار ويأتي الأستاذ الدكتور عصام شرف -المكلف برئاسة الوزراء- إلى الثوار وجها لوجه في ميدان التحرير ليعلنها صراحة أنه يستمد شرعيته من الشعب، وأنه حريص على أمن المواطن ، وإذا لم تتحقق إرادة الشعب سيكون معهم في ميدان التحرير ، وطالب الشعب بعد انتهائه من الجهاد الأصغر التوجه للجهاد الأكبر نحو بناء مصر وهو أمر يشكر له ونسأل الله تعالى له توفيقا وسدادا ، بعد أن التحم بشعبه الذي هو منهم وخرج بمصر من النظرية البائدة التي كانت تحول دون رؤية رئيس الوزراء أو الوزراء سوى في التلفاز. إن إردة الشعوب إذا صحت تصنع المعجزات وتحقق المرجوات والله تعالى لا يرد بأسه عن القوم الظالمين المجرمين ، والباطل مهما انتفش وبلغ كرهه وحرجه وضيقه فوق مايطيقه بشر، فإنه لا استقرار له ، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد:17] .ونصر الله مهما بعد ظاهرا فهو قريب باطنا، فمع اشتداد الظلمة يتنفس نور الفجر، ومع العسر يأتي اليسر ، وما دام الليل والنهار يتعاقبان فلا عجب من تقلب الأمور فأمره تعالى بين الكاف والنون إذا قال لشئكن فيكون. www.drdawaba.com