من بدهيات الإسلام أن هذه الأمة ما نالت خيريتها علي كل الأمم إلا بالتزامها أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر وأن تؤمن بالله. وأن من أهم مواصفات المؤمنين والمؤمنات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وأن من صفات المنافقين أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. وأن أهل الكتاب كان منهم طائفة تؤمن بالله واليوم الآخر وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. أما المسلمون فهذه المهمة تقع علي كل فرد منهم وليست علي مجموعة خاصة. وما يفهمه البعض من الآية الكريمة في قوله تعالي: "وَلْتَكُن مِنْكُم أُمَّةى يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُم الْمُفْلِحُونَ" "آل عمران: 104" من أن المكلف بهذه الفريضة بعض الأمة ليس صحيحا فلابد من ضم الآيات الواردة في موضوع واحد وفهمها دون تعارض بين مدلولاتها علي نسق اللسان العربي المبين. وكثيرًا ما يقول الأب لابنه: أريد أن أصنع منك رجلا. فهل يريد أن يأخذ منه جزءًا يجعله رجلا ويترك الباقي أم أنه يريده رجلا؟! وهذا ما يقال له في اللغة إن "من" هنا للتجريد. ومحصلة ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عينية علي كل مسلم ومسلمة بشرط أن يستبين الآمر والناهي معني المعروف والمنكر. فالمعروف ما أجمعت عليه الأمة أنه مما لا خلاف في فرضيته ووجوبه. والمنكر ما عُلم من الدين بالضرورة أنه محرم. فالحكم بالحل والحرمة لله وحده وما لم يكن المرء موقنا بصدور ذلك الحكم من الله. أدخل نفسه في عداد المفترين علي الله الكذب. أما ما اختلف في حله وحرمته أو في وجوبه واستحبابه فلا مجال فيه للإنكار. علي أن الأمر والنهي له طريق واحد هو ما جاء في قوله تعالي: "ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" "النحل: 125" وفي قوله لموسي وهارون: "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخْشَي" "طه: 44" وفي قوله لخاتم الأنبياء: "وَلَو كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ" "آل عمران: 159". وهناك فرق جوهري بين إنكار المنكر وتغييره» فالنهي عنه وإنكاره واجب علي الجميع كما سبق. أما تغييره فله ضوابط شرعية: 1- منها أنه لا يتأتي إلا ممن له ولاية إجبار كالوالد علي أبنائه والزوج علي زوجته ورئيس العمل علي مرءوسيه والحاكم علي رعيته. 2- ومنها أنه محكوم بألا يؤدي تغييره إلي منكر أشد ومن هنا تأتي أهمية فقه المآلات بمعني النظر الثاقب في عواقب التغيير كما حدث من سيدنا هارون حينما رأي قومه يعبدون العجل في غَيْبة موسي- وهو ولي الأمر- فانتظر مجيئه حفاظا علي وحدة شعبه حيث كانت حجته لأخيه: "إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَم تَرْقُب قَوْلِي" "طه: 94". 3- ومنها صعوبة تغيير المنكرات في آن واحد فسياسة التدرج في الوصول إلي الهدف المنشود سياسة شرعية وهنا لابد من فقه الأولويات فما نزلت آيات التشريع إلا بعد أن عمرت قلوب الصحابة بنور الإيمان واستعدت نفوسهم للبعد عن معصية الله.. علي أن التدرج الآن ليس في التشريع بعد أن أكمل الله الدين ورضي لنا الإسلام دينا ولكنه في مجال التنفيذ بالتوافق مع استخدام وسائل الاتصال الحديثة في نشر محاسن الشريعة الغراء بعد أن غُيّبت عنهم ثقافتها بغزو فكري وافد. 4- ومنها نيابة ولي الأمر عن الأمة في مراقبة الخارجين علي شرع الله بنظام الاحتساب الذي يكلف المتخصصين في كل مجال حتي لا تحدث فتنة أو يمارس عنف في غير موضعه قد يؤدي إلي صراع وشقاق. 5- ومنها مساعدة كل أفراد الأمة في استهجان المناكر وتكوين رأي عام يرفض الخروج عن القانون في تعاون علي البر والتقوي.