في أعقاب فوز الأحزاب الإسلامية في المرحلة الأولي من الانتخابات تعالت الأصوات لتخويف المجتمع من كل ما هو إسلامي .. وقام آخرون بتقسيم المجتمع إلي إسلاميين وخصوم لهم رغم أن المسلمين يمثلون أكثر من 90% من الشعب المصري.. وقام فريق ثالث بالتخويف من إنشاء دولة دينية ثيوقراطية الأمر الذي يعد بمثابة إعلان وفاة للدولة المدنية حتي وصل الأمر بالبعض الي تشبيه التيار الإسلامي بطالبان وشبهوا القاهرة في ظل سيطرتهم إلي قندهار.. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يناقش تلك الجوانب ويحذر من خطورة خلط المفاهيم والمصطلحات لتنفيذ أجندات لا تخدم مصالح الوطن بل بعضها يستقوي بالخارج أو ينفذ أجندته.يضع الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حدود فاصلة لتصنيف المسلمين إلي فرق وجماعات قائلا : لا داعي للتقسيم الحاد للمجتمع إلي إسلاميين وغير إسلاميين وفهم البعض لهذا التقسيم انه يمثل مسلمين وغير مسلمين وهذا خطأ كبير لأن الجميع مسلمين ولكن لديهم رؤي وأفكار مختلفة وترتيب الأولويات جعل بعضهم يعلي قيم العقلانية والديمقراطية فيصبح مسلماً ليبرالياً وآخر يعلي قيم العدالة الاجتماعية والدفاع عن مصالح الفقراء فيكون مسلماً اشتراكياً وثالث يري أن الإسلام منهاج كامل للحياة ويجب تطبيق الشريعة فهذا يطلق عليه إسلامي ولكن يجب أن ندرك أننا رغم كل هذا التنوع الكل مسلم ولكن برؤي وآراء مختلفة. وأشار أبو إسماعيل أن التخويف من وصول الإسلاميين إلي الحكم في مصر هو من صناعة الأنظمة الفاسدة بعد عام 1952 وانتهاء بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي وصل الي قمة الفساد والتنكيل بالإسلاميين والتخويف منهم ليس في الداخل فقط بل وفي الخارج أيضا بدليل تأييده لحصار غزة وما فيها من تيارات وحركات إسلامية يجب حصارها والقضاء عليها ونفس الوضع بالنسبة للإسلاميين في مصر. مزاعم مغلوطة ويتفق معه الدكتور محمد يسري إبراهيم ..الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في أن نظام مبارك استخدم فزَّاعة الإسلاميين لإحكام سيطرته علي السلطة والحصول علي دعم الخارج له وكذلك تأييد المعادين للإسلاميين في الداخل مع العلم أن ما يطلق عليه إجمالا لفظ ¢ الإسلاميين ¢ ليسوا كتلة واحدة متجانسة تماما كما يظن البعض رغم أن هناك اختلافات بينهم بدليل إنشاء كثير من الأحزاب الإسلامية التي تنافست في الانتخابات الأخيرة مثل الحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية والأصالة والنهضة وغيرها الكثير وتنافس الجميع فيما بينهم وكذلك بينهم وبين غيرهم في الانتخابات الأكثر شفافية بما شهدته من ديمقراطية حقيقية لم تشهدها مصر منذ ثورة 1952. يؤكد انه لا يوجد في الدين الاسلامي اضطهاد أو ظلم لاتباع الأديان الأخري أو أي تمييز وإذا كانت مصر قد جربت كل أنظمة الحكم وفشلت فلماذا لا نعطي الإسلاميين فرصة ويتعاون معهم الجميع من اجل مصلحة الوطن بدلا من التخويف منهم وجعلهم فزاعة بالترويج لأكاذيب ما انزل الله بها من سلطان مثل اضطهاد المسيحيين ومنع السياحة وفرض النقاب ومنع المتبرجات من الخروج للشارع حتي ولو كن غير مسلمات بل وصل الأمر بتشبيه بعضهم للإسلاميين بحركة طالبان وللقاهرة في ظل سيطرة الإسلاميين بأنها قندهار مع أنهم يتشدقون ليلا ونهارا عن الديمقراطية وضرورة القبول نتائج الانتخابات أيا كانت وان يتم تدعيم دور لجنة العدالة الوطنية وتفعيلها لتكون نواة لتأسيس مجلس قومي للعدالة الوطنية يقوم علي اقتراب شامل من المشكلة ذات الجذور الممتدة.وتفعيل قوي المجتمع المدني والأهلي في إشاعة ثقافة العيْش الواحد وقبول التعددية في الآراء والاتجاهات.والتأكيد علي أهمية خطاب إسلامي وسطي عن المواطنة والمساواة والحريات وحقوق وواجبات مسيحيي ومسلمي مصر وفتح ملف العلاقة بين الكنيسة والدولة المصرية في نطاق ملف مدنية الدولة والعلاقة بين الإسلام والمجتمع والدولة. مدنية لا ثيوقراطية تعجب الدكتور ناجح إبراهيم مؤسس الجماعة الإسلامية وعضو مجلس الشوري من الحملة التي يشنها المعارضون لأي صعود للإسلام والإسلاميين عبر وسائل الإعلام بحجة أنهم سيؤسسون دولة دينية لا مدنية مع أن من يقرأ التاريخ الإسلامي منذ بدايته سيجد أن الرسول صلي الله عليه وسلم أقام دولة مدنية تتساوي فيها الحقوق حتي أن وثيقة المدينة ساوت بين جميع سكانها لأنهم شركاء فيه واتفق الجميع علي ما يشبه معاهدة الدفاع الاستراتيجي في إطار من العدل والشوري وضمان حق العبادة وبالتالي كانت الدولة الإسلامية الأولي مدنية وليست ثيوقراطية يدعي فيها الحاكم انه إله أو معصوم فيها تعاملات بين سكانها حتي أن الرسول توفي وكانت درعه مرهونة عند يهودي وكان الإمام علي بن أبي طالب أجيرا عند يهودي . وأوضح الدكتور ناجح أن المشكلة أن مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته عند العلمانيين والليبراليين لإخافة الناس من الحركة الإسلامية علي الرغم من أن المقصود بهذا التعبير باللغة العربية الدولة التي تستند لمرجعية الدين علي عكس معناها في الفكر الغربي حيث كانت تعني الدولة التي تسيطر عليها الكنيسة المعادية للعلم وهي ما يطلق عليه الدولة الثيوقراطية والتي يقوم الحكم فيها علي الحق الإلهي المطلق لدرجة أن حاكم الدولة فيها يدعي أنه يحكم شعبه نيابة عن الله الذي فوضه بذلك. وأشار إلي الدولة الدينية الثيوقراطية بهذا المعني غير موجودة أصلا في الدين الإسلامي ولا يوجد مثيل في التاريخ الإسلامي منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم الذي أسس الدولة الإسلامية في المدينة حتي الآن وبالتالي لا معني لتخويف الشعوب العربية والإسلامية من مصطلح الدولة الدينية أو تحميله معاني لا تحتملها اللغة وخاصة أنها في الحقيقة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. وطالب الدكتور ناجح إبراهيم بتصحيح الخلط في مفهوم الدولة الدينية والمدنية سواء كان ذلك عن عمد أو بسبب عدم الفهم . وقد حث الإسلام أن الحاكم في الدولة المدنية له مرجعية دينية حتي يكون لديه نفس لوامة تأمره بالعدل بين جميع رعيته حتي لا يدمر شعبه باستبداده ولهذا فإن المرجعية الدينية حماية له ولشعبه ولهذا فإن جميع الإسلاميين يرفضون الدولة الدينية بمفهومها الغربي ويتطلعون إلي حاكم يحرس الدين ولديه سياسة واضحة لأمور الدنيا بل إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان حريصا علي البعد عن الدولة الدينية ولم يكن يفكر في تأسيسها وبالتالي لا مجال للرعب الموجود من الدولة الدينية لأن الرسول صلي الله عليه وسلم عندما أسس الدولة في المدينة كانت دينية ومدنية في نفس الوقت وكان حاكما لها. وانهي الدكتور ناجح كلامه بالتحذير من استغلال المساجد والكنائس في عملية الاستقطاب السياسي لان الممارسة السياسية لا يجب خلطها بدور العبادة وهذا لا يعني فصل الدين عن السياسة وإنما لا يجب تسخير الدين لتحقيق مصالح سياسية. التصنيف والإقصاء.. كارثة ويحذر الدكتور احمد زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة من خطورة الإقصاء والتفزيع والتشويه للتيار الإسلامي علي وحدة وتماسك المجتمع مع انه ينادي بقيم الحرية والعدالة والمساواة لأن حالة التفزيع خلال فترات الحكم السابقة أدت إلي فتن طائفية واحتقان متزايد دفع الوطن ثمنه من استقراره واهتمامه بالتنمية واخشي أن تتحول حالة التفزيع والتخويف من الإسلاميين بإحداث مواجهات بين مسئولي الدولة وبين التيار الإسلامي الذي يمثل غالبية الشعب ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يجب ان يقوم به الإعلام والتعليم وقبل هذا كله ضرورة التنشئة الدينية الوطنية المتسامحة التي تعلي مصالح الوطن علي غيره .