أكد العلماء أن التخطيط الجيد المدروس الذي قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في الإعداد للهجرة النبوية المباركة والتنفيذ الجيد وحسن اختيار من قاموا وعاونوا في رحلة الهجرة وإعداد الرفيق ثم الراحلة والدليل والسكون حتي هدوء غضب الكفار ثم التمويه علي آثار من يحملون لهم الأخبار والزاد كلها أمور يجب أن توضع في حسابات صناع القرار الآن في مصر في ظل ما تعيشه من عشوائية في كل شيء الآن. قالوا: إن مصر تعيش الآن مرحلة إعادة البناء للدولة الحديثة كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ويستوجب ذلك مصالحة كافة فئات المجتمع وانطلاق دور فاعل للمؤسسات الرعوية في توجيه الرأي العام لتوحيد الجهود لبناء الأمة والتأكيد علي مباديء عديدة منها الشوري والعدل واحترام الآخر المخالف في المذهب والعقيدة والفكر والرأي.. حول أهمية الاستفادة من التخطيط الجيد للهجرة والأخذ بالأسباب لبناء الدولة الاسلامية واسقاط ذلك علي وقع مصر الآن تدور سطور هذا التحقيق. بداية يؤكد الدكتور عبدالحي الفرماوي استاذ التفسير بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن التخطيط الجيد والسليم هو أساس أي نجاح يبتغيه الفرد وتتمناه الجماعة أياً كانت. وأن الذي يخطط جيدا يدرس إلي جانب أهدافه القدرات المطلوبة والامكانات المتاحة للوصول إلي تحقيق هذه الأهداف وكذلك الإلمام بالمعوقات والعقبات المتوقعة للحيلولة دون حدوثها وتعويقها لتحقيق هذه الغايات. أضاف: ان أحد أبرز أسباب كبوة الأمة هو غياب التخطيط الجيد الذي يراعي طبيعة ما يخطط له سواء كانت خططاً لمصنع أو لمشروع أو لفرد أو لجماعة أو حتي لدولة إذ أن لكل من هذه الثلاثة أهميته ودراساته وأهدافه لكن ما لا يختلف عليه هو أن كل مشروع وأية أهداف يبتغي الانسان تحقيقها يجب أن يلتزم بتخطيط جيد.. مشيراً إلي أن ضرورة الامتثال في كل هذا بما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم في مشروع الهجرة النبوية التي لم تتم ارتجالاً. ولا بين عشية وضحاها. أو بدون دراسة جادة وتخطيط دقيق بل كانت الدراسة الواعية والتخطيط الجيد والاعداد المسبق بما يعد صورة من أرقي مستويات التخطيط والذي ينبغي أن تعيه الحركة الاسلامية وأن تدرسه جيدا وأن تتخذه نبراسا في تحقيق أهدافها. أشار الدكتور الفرماوي إلي التخطيط الجيد للهجرة برز من خلال عدة جوانب أولها رد أمانات الكفار إليهم ثم اختيار رفيق الطريق ثم تجهيز رواحل الركوب ثم الدليل الذي قادهما في هذه الرحلة الشاقة ثم خدعه المشركون بإيهامهم بنوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكان النبي صلي الله عليه وسلم ثم متابعة اخبار الكفار عن طريق شخص يتسم بالزكاء والدهاء ثم محو آثار الأقدام حتي لا يتتبعها أحد ثم مخالفة الطريق المعهود ثم مكوث في الغار ثلاثة أيام حتي هدأت ثورة المشركين. قال: هذه التفاصيل الدقيقة والخطط المحكمة والقرارات الرشيدة تمثل تخطيطا دقيقا للهجرة والتي ينبغي أن يستفاد منها ولا سيما الحركة الاسلامية في مشروعها حول سيادة شرع الله في المسلمين دون إقصاء لها أو مزاحمة بمشاركة من قوانين البشر وتشريعاتهم إلا أن يكون ذلك القانون أو التشريع مستمراً من كتاب الله تعالي أو سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ووسائلها إلي الوصول لتحقيق هذا المشروع هي الدعوة إلي الله تعالي علي بصيرة. بين الدكتور الفرماوي أن الحركة الاسلامية في مشروعها تحتاج الي تخطيط دائم ومراجعات شاملة لهذا التخطيط ودراسات له واستعداد جيد وكل هذا استفادة من الدرس النبوي في الهجرة لكنه رغم وجود التخطيط وتوفر الوسيلة نجد أن التنفيذ يقابله معوقات كثيرة ولا سيما أنه من المسلمات وجود كثير من الأنظمة في الشرق والغرب تعمل علي وأد الحركات الإسلامية مما جعل كثيرا من الضربات الموجعة المتتالية تنزل بهذه الحركات وتعصف بها دون أن تتمكن هذه الحركات ورجالها من تفادي ضرباتها. وقال: ان ما نعيشه اليوم من تخبط وعشوائية في معظم أمور حياتنا سببه الأساسي غياب التخطيط الجيد وعدم اسقاط هذه الدروس المستفادة من الهجرة النبوية المتمثلة في حسن الأخذ بالأسباب وتوظيف الأدوات وتفادي المعوقات والأخذ بالأسباب والمراجعة المرحلية لكل خططنا الحياتية ولن تنهض الأمة إلا بحسن التخطيط والبعد عن عشوائية الخطط وعشوائية تنفيذها وعشوائية مراجعتها واستبدال ذلك بالتخطيط الجيد المدروس. الثورة علي العشوائية وأكد الدكتور إبراهيم قاسم الاستاذ بجامعة الأزهر أن الأمة تحتاج الي ثورة علي العشوائية بكافة صورها وجميع جوانبها بعد أن انتشرت في كل شيء وغاب التخطيط عن كل شيء وان وجد التخطيط السليم غاب التنفيذ السليم وإن وجدا معا غابت عنهما مراجعة الخطط وتفادي المعوقات.. بينما أن من أجل سمات الهجرة النبوية المباركة التخطيط الجيد والأخذ بالأسباب في أدق التفاصيل منذ بداية عزم النية ثم اختيار الرفيق والدابة والدليل والطريق المغاير للمعتاد والسكون حتي هدوء الأعداء وحسن استدراك ومواجهة المعوقات وحسن اختيار المنفذين للخطة وكلها أمور لو نجحنا في تطبيقها لتغير وجه الحياة بكل ما فيها. وأوضح الدكتور قاسم أن غياب التخطيط هو سبب ما نعيشه من أزمات اقتصادية متتالية دون تحقيق حل عملي ثم العشوائية في كل شيء سواء في بناء المساكن والطرق والعشوائية في العمل السياسي الآن ولذلك يتم بعشوائية وفي غياب كامل للتخطيط الجيد وكل انسان يفعل ما يشاء دون الأخذ بالأسباب ولا اعتبار للكفاءات. وضرب د. إبراهيم قاسم بغياب التخطيط بشكل واضح في مسألة الترشح للانتخابات البرلمانية التي نعيش أجواءها هذه الأيام إذ نجد في ذلك عجب العجاب فتجد أشخاصا يفتقرون بالحسابات العقلية إلي أية مظاهر للقبول البشري ولا يدركون طبيعة المرحلة ولا يدركون ما يحتاجه العامة ومع ذلك فرضوا أنفسهم علي المجتمع وذلك يمثل عشوائية الترشح وللأسف يحدث هذا في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع إلي المرشح القوي المدرك لطبيعة المرحلة التاريخية وحقيقة المهمة القادمة من تشكيل الدستور وغيرها من مهام جسام. ويبرز الدكتور مصطفي مراد استاذ مقارنة الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الاسلامية بجامعة الأزهر أن سمو أهداف الهجرة النبوية المباركة والسعي للوصول الي بيئة صالحة ومناسبة لبناء دولة الإسلام وتأسيسها علي أسس ومباديء سامية وما أحوجنا في ظل الظروف التي تعيشها مصر الآن إلي الامتثال بسنة نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم في التخطيط الجيد للهجرة ثم لبناء الدولة علي أسس العدل والمساواة والشوري واحترام حقوق الآخر متمثلا في أهل الذمة والمؤاخاة بين مختلف فئات وطوائف المجتمع متمثلا في المهاجرين والانصار وتأسيس أهم وأقوي منطلق لتأصيل كل هذا متمثلا في مسجده النبوي الشريف وهو ما يجب أن نطبقه جميعا في مصر الآن من إجراء مصالحة شاملة بين كل طوائف وفئات وأحزاب وتيارات المجتمع وإعلاء المصلحة العليا للوطن وللأمة وضرورة توحيد القاعدة الوطنية ليسمو بنيان دولتنا وتعلو همتنا جميعا في البناء ثم تأصيل دور المؤسسات الرعوية متمثلة في المساجد والجامعات والأزهر الشريف والدور الدعوي للأئمة والدعاة ثم احترام حقوق الآخر المخالف لي في العقيدة الدينية أو المذهب الديني أو فكره وتياره السياسي وكل هذا يتطلب منا استلهام روح النبوة في بناء الأمة وما أحوجنا لذلك. قال الدكتور مصطفي: إن مصر الآن تحتاج لاستلهام حسن التخطيط والأخذ بالأسباب من روح رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن نبتعد بأمتنا ودولتنا الحديثة عن عشوائية التخطيط والأداء وأن نستلهم العبرة والعظة من تجارب الآخرين وأن نحسن اسقاط هذه الاستفادة علي واقعنا المعاصر.