وكان يدرس لهم مادة الباطنة أ.د مصطفي قناوي الطبيب الخاص بعبد الناصر.. فقال له وللزميل سالم نجم: انتظراني بعد الدرس فلما خلا بهما في مكتبه قال لهما: يا أولاد أنتم شباب ممتاز وأنا كنت عند عبدالناصر وهو ناقم علي الإخوان نقمة شديدة. وقال لي: إنني سأذبحهم كلهم وشتم علي الهضيبي "الأب" بالذات.. وأنا أريد أن أقرب المسافات بينكما. وقد قلت لعبد الناصر: عندنا يا ريس شباب ممتاز منهم يمكن أن تتفاهم معهم حتي تحل المشكلة بينك وبين قيادتهم. فقال عبدالناصر: ليس عندي مانع من الجلوس مع عشرة من شبابهم للاتفاق علي أمرين هامين هما: حل التنظيمات المسلحة لدي الإخوان وتسليم الأسلحة التي بحوزتهم والنظر في تعيين بديل عن الهضيبي "الأب" وفعلاً حاول د. جامع مع صديقه د. سالم نجم أن يذهب إلي مكتب الإرشاد للاستئذان منه في المقابلة.. فأبي أ.د سالم نجم ذلك وقال لجامع: أنت شاطر يا جامع وسلكاوي.. أذهب أنت. وفعلاً ذهب جامع ليستأذن فلم يجد سوي المرحوم خميس حميدة الذي قال له بعد أن استمع إلي القصة: لا تتدخل أنت في الموضوع.. وأول ضحية لعبد الناصر سيكون هؤلاء العشرة. ثم نقل ذلك د. جامع إلي د. قناوي الذي قال في أسي: يا محمود أنا أحبكم جداً.. وهناك خطر حقيقي عليكم.. وأنا أعرف عبدالناصر أكثر منكم. ثم فوجئ د. جامع بأن مسئولاً في النظام الخاص يبلغه أنه تم فصله من النظام الخاص والجماعة معاً.. والسبب هو اتصاله بالسلطة.. وقالوا له سلم كل متعلقاتك. ويحكي لي د. جامع عن هذه الأيام العصيبة.. وكيف أنه أصبح كالمنبوذ تماماً.. لا سلام ولا كلام.. وبعض إخوانه لا يسلمون عليه وكأنه قد كفر.. وبعضهم يسلم عليه حياء منه.. والبعض يقول له أنت هكذا أفضل. ويقول لي: والأغرب من ذلك أن د. جامع أصابه التخبط والحيرة بعد حادث المنشية وقال لنفسه: ما موقفي الآن.. وبماذا ستصنفني الحكومة.. ثم وجد ما هو أسوأ من ذلك حيث تقاطر علي شقته كل الهاربين من القبض عليهم.. والداهية الأكبر أنهم أعطوا عنوانها للآخرين من الهاربين. وكان بعضهم يحسن التصرف.. وأكثرهم لا يملك أي حاسة أمنية حتي عرفت الشقة فهوجمت ثم قبض عليه ثم أفرج عنه لمراقبته.. ثم طاردته الشرطة بقوة في يوم من الأيام فتعلق هو وصديقه أ.د سالم نجم علي مواسير الصرف حتي كادت يده أن تتمزق.. وهو يدعو ويدعو الله بكل كيانه فهو بين نارين إما القبض عليه أو الموت سقوطاً علي الأرض. ثم تفتق ذهنه هو وصاحبه أ.د سالم نجم عن فكرة غريبة تحل مشكلة السكن ولقمة العيش.. فذهبا للعمل مع عمال التراحيل.. حيث وجدا المأوي الآمن والفول والطعمية كل يوم يأكلانه بجوار القصعة. وكان كل واحد منهما يتقاضي ريالا واحدا عن كل يوم.. وفي يوم من الأيام جاء ضابط من فرقة مكافحة النشل مع مخبريه وجنوده لفحص العمال بالليل وكان زميله في الثانوية العامة فلما نظر إليه قال: ألست أنت محمود جامع مع الإخوان؟ أنت كنت معي في الثانوية العامة فلم يجد جامع مفراً من الإقرار بذلك. فلما سأله: لماذا هذه البطاقة المزورة؟ قال: الظروف حكمت بذلك. فقال له: خلاص خليك مفيش مشكلة. ولكن رئيسه الأعلي قال:لا.. هذا من الإخوان نحن نريده. فقبض علي د. جامع الذي فصل من الإخوان.. ونجا د. سالم نجم الذي أصبح بعد ذلك عضوا بمكتب الإرشاد.